وبهذا السياق يظهر ان قوله: (والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) بمنزلة التعليل، ومحصل المعنى ان الكفر سيبعثهم - بحسب سنة الله في الأسباب - إلى أن يسعوا في إبطال الدعوة والصد عن سبيل الحق غير أن الظلم والفسق وكل فساد لا يهدى إلى الفلاح والنجاح فسينفقون أموالهم في سبيل هذه الأغراض الفاسدة فتضيع الأموال في هذا الطريق فيكون ضيعتها موجبة لتحسرهم، ثم يغلبون فلا ينتفعون بها، وذلك أن الكفار يحشرون إلى جهنم ويكون ما يأتون به في الدنيا من التجمع على الشر والخروج إلى محاربة الله ورسوله بحذاء خروجهم محشورين إلى جهنم يوم القيامة.
وقوله: (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون) إلى آخر الآية من ملاحم القرآن والآية من سورة الأنفال النازلة بعد غزوة بدر فكأنها تشير إلى ما سيقع من غزوة أحد أو هي وغيرها، وعلى هذا فقوله: (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة) إشارة إلى غزوة أحد أو هي وغيرها، وقوله: (ثم يغلبون) إلى فتح مكة، وقوله:
(والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) إلى حال من لا يوفق للاسلام منهم.
قوله تعالى: (ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون) الخباثة والطيب معنيان متقابلان وقد مر شرحهما والتمييز إخراج الشئ عما يخالفه وإلحاقه بما يوافقه بحيث ينفصل عما يخالفه، والركم جمع الشئ فوق الشئ ومنه سحاب مركوم أي مجتمع الاجزاء بعضها إلى بعض ومجموعها وتراكم الأشياء تراكب بعضها بعضا.
والآية في موضع التعليل لما أخبر به في الآية السابقة من حال الكفار بحسب السنة الكونية، وهو انهم يسعون بتمام وجدهم ومقدرتهم إلى أن يطفؤوا نور الله ويصدوا عن سبيل الله فينفقون في ذلك الأموال ويبذلون في طريقه المساعى غير أنهم لا يهتدون إلى مقاصدهم ولا يبلغون آمالهم بل تضيع أموالهم، وتحبط أعمالهم وتضل مساعيهم، ويرثون بذلك الحسرة والهزيمة.
وذلك أن هذه الأعمال والتقلبات تسير على سنة إلهية وتتوجه إلى غاية تكوينية ربانية، وهى ان الله سبحانه يميز في هذا النظام الجاري الشر من الخير والخبيث من الطيب ويركم الخبيث بجعل بعضه على بعض، ويجعل ما اجتمع منه وتراكم في جهنم