وعلى الثاني ان سياق الآية ينافي كون المراد بالعذاب فيها عذاب الآخرة، وخاصة بالنظر إلى قوله في الآية الثالثة - وهى في سياق الآية الأولى - (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون).
وعلى الثالث: ان ذلك خلاف ظاهر الآية بلا شك حيث إن ظاهرها إثبات الاستغفار لهم حالا مستمرا لاستدعاؤه وهو ظاهر.
قوله تعالى: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) المكاء بضم الميم الصفير، والمكاء بصيغة المبالغة طائر بالحجاز شديد الصفير، ومنه المثل السائر: بنيك حمري ومكئكيني. والتصدية التصفيق بضرب اليد على اليد.
وقوله: (وما كان صلاتهم) الضمير لهؤلاء الصادين المذكورين في الآية السابقة وهم المشركون من قريش، وقوله: (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) بيان إنجاز العذاب الموعد لهم بقرينة التفريع بالفاء.
ومن هنا يتأيد ان الآيتين متصلتان كلاما واحدا، وقوله: (وما كان) الخ جملة حالية والمعنى: وما لهم ان لا يعذبهم الله والحال انهم يصدون العباد من المؤمنين عن المسجد الحرام وما كان صلاتهم عند البيت إلا ملعبة من المكاء والتصدية فإذا كان كذلك فليذوقوا العذاب بما كانوا يكفرون، والالتفات في قوله: (فذوقوا العذاب) عن الغيبة إلى الخطاب لبلوغ التشديد.
ويستفاد من الآيتين ان الكعبة المشرفة لو تركت بالصد استعقب ذلك المؤاخذة الإلهية بالعذاب قال علي عليه السلام في بعض وصاياه: (الله الله في بيت ربكم فإنه إن ترك لم تنظروا (1).
قوله تعالى: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله) إلى آخر الآية يبين حال الكفار في ضلال سعيهم الذي يسعونه لابطال دعوة الله والمنع عن سلوك السالكين لسبيل الله، ويشرح ذلك قوله: (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون) الخ.