هذا، وقد رأيت فيه رأيا. قالوا: وما رأيت؟ قال: رأيت أن ندس إليه رجلا منا ليقتله فإن طلبت بنو هاشم بديته أعطيناهم عشر ديات.
فقال الخبيث: هذا رأى خبيث قالوا: وكيف ذلك؟ قال: لان قاتل محمد مقتول لا محالة فمن هذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم؟ فإنه إذا قتل محمدا تعصبت بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة ان بنى هاشم لا ترضى ان يمشى قاتل محمد على الأرض فتقع بينكم الحروب في حرمكم وتتفانون.
فقال آخر منهم: فعندي رأى آخر. قال: وما هو؟ قال: نثبته في بيت ونلقى عليه قوته حتى يأتي عليه ريب المنون فيموت كما مات زهير والنابغة وامرؤ القيس. فقال إبليس: هذا أخبث من الاخر. قالوا: وكيف ذاك؟ قال: لان بنى هاشم لا ترضى بذلك فإذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم فاجتمعوا عليكم فأخرجوه.
قال آخر منهم: لا ولكنا نخرجه من بلادنا ونتفرغ لعبادة آلهتنا. قال إبليس:
هذا أخبث من ذينك الرأيين المتقدمين، قالوا: وكيف؟ قال: لأنكم تعمدون إلى أصبح الناس وجها، وأتقن الناس لسانا وأفصحهم لهجة فتحملوه إلى بوادي العرب فيخدعهم ويسحرهم بلسانه فلا يفجؤكم إلا وقد ملاها خيلا ورجلا. فبقوا حائرين.
ثم قالوا لإبليس: فما الرأي يا شيخ؟ قال: ما فيه إلا رأى واحد. قالوا:
وما هو؟ قال: يجتمع من كل بطن من بطون قريش فيكون معهم من بنى هاشم رجل فيأخذون سكينا أو حديدة أو سيفا فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة حتى يتفرق دمه في قريش كلها فلا يستطيع بنو هاشم ان يطلبوا بدمه فقد شاركوه فيه فإن سألوكم ان تعطوكم الدية فأعطوهم ثلاث ديات. قالوا: نعم وعشر ديات. قالوا: الرأي رأى الشيخ النجدي فاجتمعوا فيه، ودخل معهم في ذلك أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فنزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره ان قريشا قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك فأنزل الله عليه في ذلك: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).
واجتمعت قريش ان يدخلوا عليه ليلا فيقتلوه، وخرجوا إلى المسجد يصفرون ويصفقون ويطوفون بالبيت فأنزل الله: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية