سبب للرضي والشكر موضع سبب النقمة والسخطة كالظلم والغضب وان شئت قلت: وضع فيه الاحسان موضع الإساءة، ففيه نوع من التهكم المشوب بالذم نظير ما في قوله تعالى: (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) الواقعة: 82 أي تجعلون رزقكم سببا للتكذيب بآيات الله وهو سبب بحسب الطبع لشكر النعمة والرضا بالموهبة على ما قيل: إن المعنى: وتجعلون بدل شكر رزقكم أنكم تكذبون.
والضمير في قوله: (من فضله) راجع إلى الله سبحانه، قال في المجمع: وإنما لم يقل: من فضلهما لأنه لا يجمع بين اسم الله واسم غيره في الكناية تعظيما لله، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمن سمعه يقول: (من أطاع الله ورسوله فقد اهتدى ومن عصاهما فقد غوى): بئس خطيب القوم أنت فقال: كيف أقول يا رسول الله؟ قال: قل:
ومن يعص الله ورسوله، وهكذا القول في قوله سبحانه: (والله ورسوله أحق أن يرضوه) وقيل: إنما لم يقل من فضلهما لان فضل الله منه وفضل رسوله من فضله، انتهى كلامه.
وهناك وراء التعظيم أمر آخر قدمنا القول فيه في تفسير قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) المائدة: 73 في الجزء السادس من الكتاب، وهو أن وحدته تعالى ليست من سنخ الوحدة العددية حتى يصح بذلك تأليفها مع وحدة غيره واستنتاج عدد من الاعداد منه.
ثم بين الله سبحانه لهؤلاء المنافقين أن لهم مع هذه الذنوب المهلكة وصريح كفرهم بالله وهمهم بما لم ينالوا أن يرجعوا إلى ربهم، وبين عاقبة أمر هذه التوبة وعاقبة التولي والاعراض عنها فقال: (فان يتوبوا يك خيرا لهم) لأدائه إلى المغفرة والجنة (وإن يتولوا) ويعرضوا عن التوبة (يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا) بالسياسة والنكال أو بإغراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم أو بالمكر والاستدراج، ولو لم يكن من عذابهم إلا أنهم مخالفون بنفاقهم نظام الأسباب المبنى على الصدق والايمان فتقادمهم سلسلة الأسباب وتحطمهم وتفضحهم لكان فيه كفاية، وقد قال الله: (والله لا يهدى القوم الفاسقين) التوبة: 24 (والآخرة) بعذاب النار.
وقوله تعالى: (وما لهم في الأرض من ولى ولا نصير) معناه أن هؤلاء لا ولى لهم في الأرض يتولى أمرهم ويصرف العذاب عنهم، ولا نصير ينصرهم ويمدهم بما يدفعون به العذاب الموعود عن أنفسهم لان سائر المنافقين أيضا منهم وكلمة الفساد يجمعهم