فإن ترك بعضا منهم لحكمة ومصلحة أخذ آخرين منهم بالعذاب كان هناك مظنة أن يسأل فيقال: ما وجه أخذ البعض إذا ترك غيره؟ وهل هو إلا كأخذ الجار بجرم الجار فأجيب ببيان السبب وهو أن المنافقين جميعا بعضهم من بعض لاشتراكهم في خبائث الصفات والأعمال، واشتراكهم في جزاء أعمالهم وعاقبة حالهم.
ولعله ذكر المنافقات مع المنافقين مع عدم سبق لذكرهن للدلالة على كمال الاتحاد والاتفاق بينهم في نفسيتهم، وليكون تلويحا على أن من النساء أيضا أجزاء مؤثرة في هذا المجتمع النفاقي الفاسد المفسد.
فمعنى الآية لا ينبغي أن يستغرب أخذ بعض المنافقين إذا ترك البعض الاخر لان المنافقين والمنافقات يحكم عليهم نوع من الوحدة النفسية يوحد كثرتهم فيرجع بعضهم إلى بعض، فيشركهم في الأوصاف والأعمال وما يجازون به بوعد من الله تعالى.
فهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويمسكون عن الانفاق في سبيل الله وبعبارة أخرى نسوا الله تعالى بالاعراض عن ذكره لانهم فاسقون خارجون عن زي العبودية فنسيهم الله فلم يثبهم بما أثاب عباده الذاكرين مقام ربهم.
ثم ذكر ما وعدهم على ذلك فقال: (وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار - وعطف عليهم الكفار لانهم جميعا سواء - نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم) من الجزاء لا يتعدى فيهم إلى غيرها (ولعنهم الله) وأبعدهم (ولهم عذاب مقيم) ثابت لا يزول عنهم البتة.
وقد ظهر بذلك أن قوله تعالى: (نسوا الله فنسيهم) (الخ) بيان لما تقدمه من قوله:
(يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم).
ويتفرع على ذلك أن الامر بالمعروف والنهى عن المنكر والانفاق في سبيل الله من الذكر.
قوله تعالى: (كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم) الخ، قال الراغب: الخلاق ما اكتسبه الانسان من الفضيلة بخلقه قال تعالى: (وما له في الآخرة من خلاق) انتهى وفسره غيره بمطلق النصيب.
والآية من تتمة مخاطبة المنافقين التي في قوله: (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم)