الآية في سياق واحد متصل وفي الآية تشبيه حال المنافقين بحال من كان قبلهم من الكفار والمنافقين وقياسهم إليهم ليستشهد بذلك على ما قيل: ان المنافقين والمنافقات بعضهم من بعض وأنهم جميعا والكفار ذووا طبيعة واحدة في الاعراض عن ذكر الله والاقبال على الاستمتاع بما أوتوا من أعراض الدنيا من أموال وأولاد والخوض في آيات الله ثم في حبط أعمالهم في الدنيا والآخرة والخسران.
ومعنى الآية - والله أعلم - أنتم كالذين من قبلكم كانت لهم قوة وأموال وأولاد بل أشدوا أكثر في ذلك منكم، فاستمتعوا بنصيبهم وقد تفرع على هذه المماثلة أنكم استمتعتم كما استمتعوا وخضتم كما خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون وأنتم أيضا أمثالهم في الحبط والخسران ولذا وعدكم النار الخالدة ولعنكم.
وذكر كون قوة من قبلهم أشد وأموالهم وأولادهم أكثر للايماء إلى أنهم لم يعجزوا الله بذلك، ولم يدفع ذلك عنهم غائلة الحبط والخسران فكيف بكم وأنتم أضعف قوة وأقل أموالا وأولادا؟
قوله تعالى: (ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات) الآية رجوع إلى السياق الأول وهو سياق مخاطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع افتراض الغيبة في المنافقين، وتذكير لهم بما قص عليهم القرآن من قصص الأمم الماضين.
فذاك قوم نوح عمهم الله سبحانه بالغرق، وعاد وهم قوم هود أهلكهم بريح صرصر عاتية، وثمود وهم قوم صالح عذبهم بالرجفة، وقوم إبراهيم أهلك ملكهم نمرود وسلب عنهم النعمة، والمؤتفكات وهى القرى المنقلبات على وجهها - من ائتفكت الأرض إذا انقلبت - قرى قوم لوط جعل عاليها سافلها.
وقوله: (أتتهم رسلهم بالبينات) أي بالواضحات من الآيات والحجج والبراهين وهو بيان إجمالي لنبأهم أي كان نبأهم ان أتتهم رسلهم بالآيات البينة فكذبوها فانتهى أمرهم إلى الهلاك، ولم يكن من شأن السنة الإلهية ان يظلمهم لأنه بين لهم الحق والباطل، وميز الرشد من الغى، والهدى من الضلال، ولكن كان أولئك الأقوام