فهذا إجمال ما يلوح من خلال الآيات، ولا ينطبق من بين الروايات إلا على الروايات المشتملة على قصة العقبة في الجملة دون سائرها.
ولا مسوغ للاستناد إليها في تفسير الآيات إلا على مسلك القوم من تحكيم الروايات بحسب مضمونها على الآيات سواء ساعدت على ذلك ألفاظ الآيات أو لم تساعد على ما فيها - أعني الروايات - من الاختلاف الفاحش الذي يوجب سوء الظن بها كما يظهر لمن راجعها.
على أن في الروايات مغمزا آخر وهو ظهورها في تقطع الآيات وتشتت بعضها وانفصاله عن بعض بنزول كل لسبب آخر وتعقيبه غرضا آخر، وقد عرفت ان الآيات ذات سياق واحد متصل ليس من شأنه إلا ان يعقب غرضا واحدا.
وفي الدر المنثور اخرج عبد الرزاق وابن المنذر وأبو الشيخ عن الكلبي ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما اقبل من غزوة تبوك وبين يديه ثلاثة رهط استهزءوا بالله ورسوله وبالقرآن قال: كان رجل منهم لم يمالئهم في الحديث يسير مجانبا لهم يقال له: يزيد بن وديعة فنزلت: (إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة) فسمى طائفة وهو واحد.
أقول: (وهذا هو منشأ قول بعضهم: إن الطائفة تطلق على الواحد كما تطلق على الكثير مع أن الآية جارية مجرى الكناية دون التسميد ونظير ذلك كثير في الآيات القرآنية كما تقدمت الإشارة إليه.
وفيه اخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في رهط من المنافقين من بنى عمرو بن عوف فيهم وديعة بن ثابت، ورجل من أشجع حليف لهم يقال له:
مخشى بن حمير (*) كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو منطلق إلى تبوك فقال بعضهم لبعض: أتحسبون قتال بنى الأصفر كقتال غيرهم والله لكأنا بكم غدا تقادون في الحبال.
قال مخشى بن حمير لوددت انى أقاضي على أن يضرب كل رجل منكم مائة على أن ينجو من أن ينزل فينا قرآن فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمار بن ياسر: أدرك القوم فإنهم قد احترقوا فسلهم عما قالوا فإن هم أنكروا وكتموا فقل: بلى قد قلتم كذا وكذا فأدركهم فقال لهم فجاءوا يعتذرون فأنزل الله: (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم (*) وقد مر في ص 323 نقلا عن المصدر نفسه جحش بن حمير وهو مصحف (ب).