ذكر الله وآياته للدلالة على معنى الاستهزاء بالرسول، وأنه لما كان من آيات الله كان الاستهزاء به استهزاء بآيات الله، والاستهزاء بآيات الله استهزاء بالله العظيم فالاستهزاء برسول الله استهزاء بالله وآياته ورسوله.
قوله تعالى: (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة) الآية، قال الراغب في المفردات: الطوف المشي حول الشئ ومنه الطائف لمن يدور حول البيوت حافظا - إلى أن قال - والطائفة من الناس جماعة منهم ومن الشئ القطعة منه.
وقوله تعالى: (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) قال بعضهم: قد يقع ذلك على الواحد فصاعدا، وعلى ذلك قوله: (وإن طائفتان من المؤمنين. إذ همت طائفتان منكم). والطائفة إذا أريد بها الجمع فجمع طائف، (وإذا أريد بها الواحد فيصح أن يكون جمعا ويكنى به عن الواحد، ويصح أن يجعل كراوية وعلامة ونحو ذلك. انتهى.
وقد خطا بعضهم القول بجواز صدق الطائفة على الواحد والاثنين من الناس كما تصدق على الثلاثة فصاعدا، وبالغ في ذلك حتى عده غلطا ولا دليل له على ما ذكره، ومادة اللفظ لا يستوجب شيئا معينا من العدد، وإطلاقها على القطعة من الشئ يؤيد استعمالها في الواحد.
وقوله: (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) نهى عن الاعتذار بدعوى أنه لغو كما يدل عليه قوله: (قد كفرتم بعد إيمانكم) فإن الاعتذار لا فائدة تترتب عليه بعد الحكم بكفرهم بعد إيمانهم.
والمراد بإيمانهم هو ظاهر الايمان الذي كانوا يتظاهرون به لا حقيقة الايمان الذي هو من الهداية الإلهية التي لا يعقبها ضلال، ويؤيده قوله تعالى في آخر هذه الآيات:
(ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) فبدل الايمان اسلاما وهو ظاهر الشهادتين.
ويمكن ان يقال: إن من مراتب الايمان ما هو اعتقاد واذعان ضعيف غير آب عن الزوال كإيمان الذين في قلوبهم مرض وقد عدهم الله من المؤمنين وذكرهم مع