بمعنى المغفرة المستندة إلى التوبة إذ لا وجه ظاهرا لمثل قولنا: إن غفرنا لطائفة منكم لتوبتهم نعذب طائفة لجرمهم مع أنهم لو تابوا جميعا لم يعذبوا قطعا.
وقد ندب الله إليهم جميعا ان يتوبوا حيث قال في آخر الآيات: (فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة.
وثالثا: ان العفو في الآية بل والعذاب المذكور فيها هو العفو عن العذاب الدنيوي وتركها وكذا القول في العذاب فإن العفو من العذاب الأخروي على ما تنص عليه الآيات القرآنية إنما يكون لتوبة أو شفاعة، ولا تحقق لواحد منهما فيما نحن فيه أما التوبة فلما تبين انها غير مرادة في الآية، وأما الشفاعة فلما ثبت بآيات الشفاعة إن الشفاعة لا ينالها في الآخرة إلا مؤمن مرضى الايمان، وقد استوفينا البحث عنها في الجزء الأول من الكتاب.
ورابعا: أنه لا مانع من كون الآية أعني قوله: (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة) الآية من تتمة كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن المراد بالعفو والعذاب، هو العذاب الدنيوي بالسياسة وتركه، ولا مانع من نسبتهما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
لكن ظاهر الآيات التالية هو كونه من قول الله سبحانه خطابا للمنافقين فيكون التفاتا من خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى خطابهم والنكتة فيه اظهار كمال الغضب واشتداد السخط من صنعهم حتى كأنه لا يفي بإيذانه وإعلامه الرسالة فواجههم بنفسه وخاطبهم بشخصه فهددهم بعذاب واقع لا مرد له ولا مفر منه.
قوله تعالى: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض) إلى آخر الآيتين، ذكروا أنه استئناف يتعرض لحال عامة المنافقين بذكر أوصافهم العامة الجامعة وتعريفهم بها وما يجازيهم الله في عاقبة أمرهم ثم يتعرض لحال عامة المؤمنين ويعرفهم بصفاتهم الجامعة ويذكر ما ينبئهم الله به على سبيل المقابلة استتماما للقسمة، ومن الدليل على هذا الاستيفاء ذكر جزاء الكفار مع المنافقين في قوله: (وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار) الآية.
والظاهر أن الآية في مقام التعليل لقوله في الآية السابقة: (إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة) وسياق مخاطبة المنافقين جار لم ينقطع بعد.
فالآية السابقة لما دلت على أنه تعالى لا يترك المنافقين حتى يعذبهم بإجرامهم