في تعبيرات القرآن، والمراد بنزول الكتاب إلى قوم وعلى قوم تعرضه لشؤونهم وبيانه لما ينفعهم في دنياهم وأخراهم.
وقد يجاب عن الاشكال الثالث بأن قوله تعالى: (قل استهزؤا) دليل على أنهم كانوا يستهزءون بالحذر ولم يكن من جد الحذر في شئ.
وفيه أن الآيات الكثيرة النازلة في سورة البقرة والنساء وغيرها - وكل ذلك قبل هذه الآيات نزولا - المخرجة لكثير من خبايا قلوبهم الكاشفة عن أسرارهم تدل على أن هذا الحذر كان منهم على حقيقته من غير استهزاء وسخرية.
على أنه تعالى وصفهم في سورة المنافقون بمثل قوله: (يحسبون كل صيحة عليهم) المنافقون: 4، وقال في مثل ضربه لهم وفيهم: (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت) البقرة: 19 وقد ذكر في الآية التالية.
والحق أن استهزاءهم إنما هو نفاقهم وقولهم في الظاهر خلاف ما في باطنهم كما يؤيده قوله تعالى: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون) البقرة: 14.
والجواب عن الاشكال الرابع أن الشئ الذي كانوا يحذرونه في الحقيقة هو ظهور نفاقهم وانكشاف ما في قلوبهم، وإنما كانوا يحذرون نزول السورة لأجل ذلك فالمحذور الذي ذكر في صدر الآية والذي في ذيل الآية أمر واحد، ومعنى قوله (إن الله مخرج ما تحذرون) أنه مظهر لما أخفيتموه من النفاق ومنبئ لما في قلوبكم.
قوله تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون) الخوض - على ما في المجمع - دخول القدم فيما كان مائعا من الماء والطين ثم كثر حتى استعمل في غيره.
وقال الراغب في المفردات: الخوض هو الشروع في الماء والمرور فيه، ويستعار في الأمور، وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذم الشروع فيه. انتهى.
ولم يذكر الله سبحانه متعلق السؤال وأن المسؤول عنه الذي إن سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل عنه ما هو؟ غير أن قوله: (ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) بما له من السياق