يتلوه على الناس كلام إلهي وقرآن منزل من عنده فيصف سبحانه الكلام الذي يخاف منه المنافقون بما له من الوصف عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو انه سورة منزلة من الله على الناس ومنهم المنافقون لا على ما يراه المنافقون انه كلام بشرى يدعى كونه كلام الله.
فهم كانوا يحذرون ان يتلو النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم وعلى الناس كلاما هذا نعته الواقعي وهو انه سورة منزلة عليهم بما انها متوجهة بمضمونها إليهم قاصدة نحوهم ينبؤهم هذه السورة النازلة بما في قلوبهم فيظهر على الناس ويفشو بينهم ما كانوا يسرونه من كفرهم وسوء نياتهم، وهذا الظهور في الحقيقة هو الذي كانوا يحذرونه من نزول السورة.
وقوله: (قل استهزؤا إن الله مخرج ما تحذرون) كإن المراد بالاستهزاء هو نفاقهم وما يلحق به من الآثار فإن الله سمى نفاقهم استهزاء حاكيا في ذلك قولهم حيث قال: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون) البقرة: 14 فالمراد بالاستهزاء هو ستر ما يحذرون ظهوره، والامر تعجيزي أي دوموا على نفاقكم وستركم ما تحذرون خروجه من عندكم إلى مرئى الناس ومسمعهم فإن الله مخرج ذلك وكاشف عن وجهه الغطاء، ومظهر ما أخفيتموه في صدوركم.
فصدر الآية وإن كان يذكر انهم يحذرون تنزيل سورة كذا وكذا لكنهم إنما كانوا يحذرونها لما فيها من الانباء التي يحذرون ان يطلع عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتنجلى للناس، وهذا هو الذي يذكر ذيلها انهم يحذرونه فالكلام بمنزلة ان يقال: يحذر المنافقون تنزيل سورة قل إن الله منزلها، أو يقال: يحذر المنافقون انكشاف باطن أمرهم وما في قلوبهم قل استهزؤا إن الله سيكشف ذلك وينبئ عما في قلوبكم.
وبما تقدم يظهر سقوط ما أشكل على الآية اولا: بأن المنافقين لكفرهم في الحقيقة لم يكونوا يرون أن القرآن كلام منزل من عند الله فكيف يصح القول إنهم يحذرون أن تنزل عليهم سورة؟
وثانيا: أنهم لما لم يكونوا مؤمنين في الواقع فكيف يصح أن يطلق أن سورة قرآنية نزلت عليهم ولا تنزل السورة إلا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو على المؤمنين؟
وثالثا: أن حذرهم نزول السورة وهو حال داخلي جدي فيهم لا يجامع كونه استهزاء.