والوجهان وإن كانا لا بأس بهما في نفسهما لكن يبعد ذلك لزوم التفكيك في قوله: (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) بين (يؤمن) الأول والثاني من غير نكتة ظاهرة إلا ان يحمل على التفنن في التعبير ومع ذلك فالنتيجة هي النتيجة السابقة فإن إيمانه بالمؤمنين لا يختص بالمخبرين خاصة حتى يصدق خبرهم ويؤاخذ آخرين إذا أخبر بما يضرهم بل إيمان يعم جميع المؤمنين فيصدق المخبر في خبره بمعنى إعطاء الصدق المخبري ويصدق المخبر عنه بحمل فعله على الصحة فافهم ذلك.
وعده تعالى نبيه في قوله: (ورحمة للذين آمنوا منكم) رحمة لقوم خاص في هذه الآية مع عده رحمة للناس كلهم في قوله عز وجل: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء: 107 إنما هو لاختلاف المراد بالرحمة في الآيتين فالمراد بها ههنا الرحمة الفعلية وهناك الرحمة الشأنية.
وبعبارة أخرى هو صلى الله عليه وآله وسلم رحمة لمن آمن به حقا بمعنى أن الله سبحانه أنقذه به من الضلالة وختم له بالسعادة والكرامة، ورحمة للناس كلهم مؤمنهم وكافرهم، من معاصريه وممن يأتي بعده بمعنى أن الله بعثه (صلى الله عليه وآله وسلم) بملة بيضاء وسنة طيبة فحول المجتمع البشرى وصرفه عن مسيره المنحرف عن الاستقامة إلى طريق الشقاوة والهلاك، وأنار بمشعلته صراط الفطرة الإلهية فمن راكب على السبيل فائز بالغاية المطلوبة، ومن خارج عن مسير الردى والهلكة ولما يركب متن الصراط الفطري، ومن قاصد للخروج والورود ولما يخرج وهذا حال المجتمع العام البشرى بعد طلوع الاسلام وبسطه معارفه بين الناس وإيصاله إلى سمع كل سامع وتأثيره في كل من السنن الاجتماعية بما في وسعه أن يتأثر به، وهذا مما لا يرتاب فيه باحث عن طبيعه المجتمع الانساني، وهذا الوجه قريب المأخذ من الوجه السابق أو راجع إليه بالحقيقة.
قوله تعالى: (يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين) قال في المجمع: (الفرق بين الأحق والأصلح أن الأحق قد يكون من غير صفات الفعل كقولك: زيد أحق بالمال، والأصلح لا يقع هذا الموقع لأنه من صفات الفعل وتقول: الله أحق بأن يطاع ولا تقول أصلح). انتهى.
والسبب الأصلي فيه أن الصلاحية والصلوح يحمل معنى الاستعداد والتهيؤ، والحق يحمل معنى الثبوت واللزوم، والله سبحانه لا يتصف بشئ من معنى الاستعداد