فيها للملك بمعنى الاختصاص في التصرف فان الآية بحسب السياق كالجواب عن المنافقين الذين كانوا يطمعون في الصدقات وهم غير مستحقين لها وكانوا يلمزون النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حرمانهم منها فأجيبوا بالآية أن للصدقات مواضع خاصة تصرف فيها ولا تتعداها، والآية ليست بظاهرة في أزيد من هذا المقدار من الاختصاص.
وأما كون ملكهم للصدقات هو الملك بمعناه المعروف فقها؟ وكذا حقيقة هذا الملك مع كون المالكين أصنافا بعناوينهم الصنفية لا ذوات شخصية؟ ونسبة سهم كل صنف إلى بقية السهام؟ فإنما هي مسائل فقهية خارجة عن غرضنا، وقد اختلفت أقوال الفقهاء فيها اختلافا شديدا فليرجع إلى الفقه.
وأما الأربعة الباقية: (وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) فقد قيل في تغيير السياق فيها وفي تأخيرها عن الأربعة الأول وجوه:
منها: ان الترتيب لبيان الأحق فالأحق من الأصناف، فأحق الأصناف بها الفقراء ثم المساكين وهكذا على الترتيب، ولكون الأربعة الأخيرة بحسب ترتيب الأحقية واقعة في المراتب الأربع الأخيرة وضع كل في موضعه الخاص، ولولا هذا الترتيب لكان الأنسب ان يذكر الأصناف ثم تذكر موارد المصالح فيقال: للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم والغارمين وابن السبيل ثم يقال: وفي الرقاب وسبيل الله.
والحق أن دلالة الترتيب بما فيه من التقديم والتأخير على أهمية الملاك وقوة المصلحة في اجزاء الترتيب لا ريب فيه فان كان مراده بالأحق فالأحق الأهم ملاكا فالأهم فهو، ولو كان المراد التقدم والتأخر من حيث الاعطاء والصرف وما يشبه ذلك فلا دلالة من جهة اللفظ عليه البتة كما لا يخفى والذي أيده به من الوجه لا جدوى فيه.
ومنها: ان العدول عن اللام في الأربعة الأخيرة إلى (في) للايذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره لان (في) للوعاء فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات ويجعلوا مظنة لها ومصبا، وذلك لما في فك الرقاب من الكتابة أو الرق والأسر، وفي فك الغارمين من الغرم والتخليص والانقاذ، ولجمع الغازي الفقير أو المنقطع في الحج بين الفقر والعبادة، وكذلك ابن السبيل جامع بين الفقر والغربة عن الاهل والمال.
وتكرير (في) في قوله: (وفي سبيل الله وابن السبيل) فيه فضل ترجيح