أما ايضاح قوله تعالى: (ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله) بقوله: (ان كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل) فهو إيضاح بأوضح المصاديق وأهمها تأثيرا في افساد المجتمع الانساني الصالح، وابطال غرض الدين.
فالقرآن الكريم يعد لأهل الكتاب وخاصة لليهود جرائم وآثاما كثيرة مفصلة في سورة البقرة والنساء والمائدة وغيرها لكن الجرائم والتعديات المالية شأنها غير شأن غيرها، وخاصة في هذا المقام الذي تعلق الغرض بإفساد أهل الكتاب المجتمع الانساني الصالح لو كانوا مبسوطي اليد واستقلالهم الحيوي قائما على ساق، ولا مفسد للمجتمع مثل التعدي المالي.
فإن أهم ما يقوم به المجتمع الانساني على أساسه هو الجهة المالية التي جعل الله لهم قياما فجل الماثم والمساوي والجنايات والتعديات والمظالم تنتهى بالتحليل إما إلى فقر مفرط يدعو إلى اختلاس أموال الناس بالسرقة وقطع الطرق وقتل النفوس والبخس في الكيل والوزن والغصب وسائر التعديات المالية، وإما إلى غنى مفرط يدعو إلى الاتراف والاسراف في الماكل والمشرب والملبس والمنكح والمسكن، والاسترسال في الشهوات وهتك الحرمات، وبسط التسلط على أموال الناس وأعراضهم ونفوسهم.
وتنتهى جميع المفاسد الناشئة من الطريقين كليهما بالتحليل إلى ما يعرض من الاختلال على النظام الحاكم في حيازة الأموال واقتناء الثروة، والاحكام المشرعة لتعديل الجهات المملكة المميزة لاكل المال بالحق من أكله بالباطل، فإذا اختل ذلك وأذعنت النفوس بامكان القبض على ما تحتها من المال، وتتوق إليه من الثروة باى طريق أمكن لقن ذلك إياها أن يظفر بالمال ويقبض على الثروة باى طريق ممكن حق أو باطل، وأن يسعى إلى كل مشتهى من مشتهيات النفس مشروع أو غير مشروع أدى إلى ما أدى، وعند ذلك يقوم البلوى بفشو الفساد وشيوع الانحطاط الأخلاقي في المجتمع، وانقلاب المحيط الانساني إلى محيط حيواني ردى لا هم فيه إلا البطن وما دونه ولا يملك فيه إرادة أحد بسياسة أو تربية ولا تفقه فيه لحكمة ولا إصغاء إلى موعظة.
ولعل هذا هو السبب الموجب لاختصاص أكل المال بالباطل بالذكر، وخاصة من الأحبار والرهبان الذين إليهم تربية الأمة وإصلاح المجتمع.
وقد عد بعضهم من أكلهم أموال الناس بالباطل ما يقدمه الناس إليهم من المال