حبا لهم لتظاهرهم بالزهد والتنسك، وأكل الربا والسحت، وضبطهم أموال مخالفيهم وأخذهم الرشا على الحكم، وإعطاء أوراق المغفرة وبيعها، ونحو ذلك.
والظاهر أن المراد بها أمثال أخذ الرشوة على الحكم كما تقدم من قصتهم في تفسير قوله تعالى: (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) الآية المائدة: 41، في الجزء الخامس من الكتاب.
ولو لم يكن من ذلك إلا ما كانت تأتى به الكنيسة من بيع أوراق المغفرة لكفى به مقتا ولوما.
وأما ما ذكره من تقديم الأموال إليهم لتزهدهم، وكذا تخصيصهم بأوقاف ووصايا ومبرات عامة فليس بمعدود من أكل المال بالباطل، وكذا ما ذكره من أكل الربا والسحت فقد نسبه تعالى في كلامه إلى عامة قومهم كقوله تعالى: (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه) النساء: 161، وقوله: (سماعون للكذب أكالون للسحت) المائدة: 42، وإنما كلامه تعالى في الآية التي نحن فيها فيما يخص أحبارهم ورهبانهم من أكل المال بالباطل لا ما يعمهم وعامتهم.
إلا أن الحق ان زعماء الأمة الدينية ومربيهم في سلوك طريق العبودية المعتنين باصلاح قلوبهم وأعمالهم إذا انحرفوا عن طريق الحق إلى سبيل الباطل كان جميع ما أكلوه لهذا الشأن واستدروه من منافعه سحتا محرما لا يبيحه لهم شرع ولا عقل.
وأما إيضاح قوله تعالى: (ولا يدينون دين الحق) بقوله: (ويصدون عن سبيل الله) فهو أيضا مبنى على ما قدمناه من النكتة في توصيفهم بالأوصاف الثلاثة التي ثالثها قوله: (ولا يدينون دين الحق) وهو بيان ما يفسد من صفاتهم وأعمالهم المجتمع الانساني ويسد طريق الحكومة الدينية العادلة دون البلوغ إلى غرضها من إصلاح الناس وتكوين مجتمع حي فعال بما يليق بالانسان الفطري المتوجه إلى سعادته الفطرية.
ولذا خص بالذكر من مفاسد عدم تدينهم بدين الحق ما هو العمدة في إفساد المجتمع الصالح، وهو صدهم عن سبيل الله ومنعهم الناس عن أن يسلكوه بما قدروا عليه من طرقه الظاهرة والخفية، ولا يزالون مصرين على هذه السليقة منذ عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى اليوم.