شديدا لجمع من المؤمنين، وتوبيخا وذما للمنافقين والذين في قلوبهم مرض حتى قال فيما قال: (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار وكان عهد الله مسؤولا) الأحزاب: 15، ثم إنه تعالى ختم القصة بمثل قوله: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) الأحزاب: 23.
فما باله تعالى لم يتعرض لحالهم في قصة حنين، وليست بأهون من غيرها، ولا خصهم بشئ من الشكر، ولا حمدهم بما يمتنون به من لطيف حمده تعالى كغيرهم في غيرها.
فهذا الذي ذكرناه مما يقرب إلى الاعتبار أن يكون المراد بالمؤمنين الذين ذكر نزول السكينة عليهم هم الذين ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأما سائر المؤمنين ممن رجع بعد الانكشاف فهم تحت شمول قوله: (ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم) يشمل من شملته العناية منهم كما يشمل من شملته العناية والتوفيق من كفار هوازن وثقيف ومن الطلقاء والذين في قلوبهم مرض. هذا ما يهدى إليه البحث التفسيري، وأما الروايات فلها شانها وسيأتي طرف منها.
وأما ما ذكره من شهادة رجوعهم من فورهم حين سمعوا نداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونداء العباس فذلك مما لا يبطل ما قدمناه من ظهور قوله تعالى: (ثم وليتم مدبرين) إذا انضم إلى قوله: (إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار) الآية في أن ما ظهر منهم في الوقعة من الفعل كان فرارا من الزحف فعلوه عن جبن أو تعمد في خذلان أو عن قلق واضطراب وتزلزل.
وأما ما ذكره من الآيات التي تمدحهم وتذكر رضى الرب عنهم واستحقاقهم جزيل الاجر من ربهم. ففيه أن هذه المحامد مقيدة فيها بقيود لا يتحتم معها لهم الامر فان الآيات إنما تحمد من تحمده منهم لما به من نعوت العبودية كالايمان والاخلاص والصدق والنصيحة والمجاهدة الدينية فالحمد باق ما بقيت الصفات، والوعد الحسن على اعتباره ما لبثت فيهم النعوت والأحوال الموجبة له فإذا زالت لحادثة أو خطيئة زال بتبعه.
وليس ما عندهم من مبادئ الخير والبركات بأعظم ولا أهم مما عند الأنبياء من صفة العصمة يستحيل معها صدور الذنب منهم، وقد قال الله تعالى بعد ثناء طويل عليهم: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) الانعام: 88.