آثمين قلوبا، ولا محل لنزول السكينة على من هذا شانه فان كانوا ممن نزلت عليهم السكينة كان من الواجب ان يندموا على ما فعلوا، ويتوبوا إلى ربهم توبة نصوحا بقلوب صادقة حتى يعلم الله ما في قلوبهم فينزل السكينة عليهم فيكونون أذنبوا اولا ثم تابوا ورجعوا ثانيا، فأنزل الله سكينته عليهم ونصرهم على عدوهم، ولعل هذا هو الذي يشير إليه التراخي المفهوم من قوله تعالى (ثم أنزل الله سكينته عليهم) حيث عبر ب (ثم).
لكن يبقى عليه اولا، أنه كان من اللازم على هذا ان يتعرض في الكلام لتوبتهم فيختص حينئذ قوله: (ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم) على الكفار الذين أسلموا بعد منهم، ولا أثر من ذلك في الكلام ولا قرينة تخص قوله: (ثم يتوب الله) الخ بالكافرين الذين أسلموا بعد، فافهم ذلك.
وثانيا: أن في ذلك غمضا عن جميل المسعى والمحنة الحسنة التي امتحن بها أولئك النفر القليل الذين ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين تركه جموع المسلمين بين الأعداء وانهزموا فارين لا يلوون على شئ، ومن المستبعد من دأب القرآن ان يهمل أمر من تحمل محنة في ذات الله، وألقى نفسه في أشق المهالك ابتغاء مرضاته - وهو شاكر عليم - فلا يحمده ولا يشكر سعيه.
والمعهود من دأب القرآن أنه إذا عم قوما بعتاب أو توبيخ وذم، وفيهم من هو برئ من استحقاق اللوم أو العتاب أو طاهر من دنس الاثم والخطيئة ان يستثنيه منهم ويخصه بجميل الذكر، ويحمده على عمله وإحسانه كما نراه كثيرا في الخطابات التي تعمم اليهود أو النصارى عتابا أو ذما وتوبيخا فإنه تعالى يخاطبهم بما يخاطب ويوبخهم وينسب إليهم الكفر بآياته والتخلف عن أوامره ونواهيه، ثم يمدح منهم الأقلين الذين آمنوا به وبآياته وأطاعوه فيما أراد منهم.
وأوضح من ذلك ما يتعرض من الآيات لوقعة أحد وتمتن على المؤمنين بما أنزل الله عليهم من النصرة والكرامة، ويعاتبهم على ما أظهروه من الوهن والفشل ثم يستثنى الثابتين منهم على أقدام الصدق، ويعدهم وعدا حسنا إذ قال مرة بعد مرة:
(وسيجزى الله الشاكرين) آل عمران: 144، (وسنجزي الشاكرين) آل عمران: 145.
ونجد مثله في ما يذكره الله سبحانه من أمر وقعة الأحزاب فان في كلامه عتابا