قبل ذلك بل كان صلى الله عليه وآله وسلم على بينة من ربه منذ بعثه الله إلى أن قبضه إليه، وكانت السكينة بهذا المعنى نازلة عليه حينا بعد حين.
ثم السكينة التي نزلت على المؤمنين ما هي؟ وما ذا يحسبها؟ أكانت هي الحالة النفسانية التي تحصل من السكون والطمأنينة كما فسرها بها واستشهد عليه بقول صاحب المصباح: إنها تطلق على الرزانة والمهابة والوقار حتى كانت ثبات الكفار وسكونهم في مواقفهم الحربية عن سكينة نازلة إليهم؟ فان كانت السكينة هي هذه فقد كانت في أول الوقعة عند كفار هوازن وثقيف خصماء المسلمين ثم تركتهم ونزلت على عامة جيش المسلمين من مؤمن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن مؤمن لم يثبت واختار الفرار على القرار، ومن منافق ومن ضعيف الايمان مريض القلب فإنهم جميعا رجعوا ثانيا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وثبتوا معه حتى هزموا العدو فهم جميعا أصحاب السكينة أنزلها الله إليهم فما باله تعالى يقصر إنزال السكينة على رسوله وعلى المؤمنين إذ يقول: (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين)؟
على أنه إن كانت السكينة هي هذه، وهى مبتذلة مبذولة لكل مؤمن وكافر فما معنى ما أمتن الله به على المؤمنين بما ظاهره انها عطية خاصة غير مبتذلة؟ ولم يذكرها في كلامه إلا في موارد معدودة - بضعة موارد - لا تبلغ تمام العشرة.
وبذلك يظهر ان السكينة أمر وراء السكون والثبات لا ان لها معنى في اللغة أو العرف وراء مفهوم الحالة النفسانية الحاصلة من السكون والطمأنينة بل بمعنى ان الذي يريده تعالى من السكينة في كلامه له مصداق غير المصداق الذي نجده عند كل شجاع باسل له نفس ساكنة وجاش مربوط، وإنما هي نوع خاص من الطمأنينة النفسانية له نعت خاص وصفة مخصوصة.
كيف؟ وكلما ذكرها الله سبحانه في كلامه امتنانا بها على رسوله وعلى المؤمنين خصها بالانزال من عنده فهى حالة إلهية لا ينسى العبد معها مقام ربه لا كما عليه عامة الشجعان أولوا الشدة والبسالة المعجبون ببسالتهم المعتمدون على أنفسهم.
وقد احتفت في كلامه بأوصاف وآثار لا تعم كل وقار وطمأنينة نفسانية كما قال في حق رسوله: (إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فأنزل الله سكينته عليه