لا أثر فيها إلا ما شاء الله الذي إليه تسبيب الأسباب.
وبالنظر إلى هذا المعنى أردف قوله: (إذ أعجبتكم كثرتكم) بقوله: (فلم تغن عنكم شيئا) اي اتخذتموها سببا مستقلا دون الله فأنساكم الاعتماد بالله، وركنتم إليها فبان لكم ما في وسع هذا السبب الموهوم وهو ان لا غنى عنده حتى يغنيكم فلم يغن عنكم شيئا لا نصرا ولا شيئا آخر.
وقوله: (وضاقت عليكم الأرض بما رحبت) اي مع ما رحبت، وهو كناية عن إحاطة العدو بهم إحاطة لا يجدون مع ذلك مامنا من الأرض يستقرون فيه ولا كهفا يأوون إليه فيقيهم من العدو، اي فررتم فرارا لا تلوون على شئ.
فهو قريب المعنى من قوله تعالى في قصة الأحزاب: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) الأحزاب: 10.
وقول بعضهم: أي ضاقت عليكم الأرض فلم تجدوا موضعا تفرون إليه. غير سديد.
وقوله: (ثم وليتم مدبرين) أي جعلتم العدو يلي أدباركم وهو كناية عن الانهزام وهذا هو الفرار من الزحف ساقهم إليه اطمئنانهم بكثرتهم والانقطاع من ربهم، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار ومن يولهم يومئذ دبره - إلى أن قال - فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) الأنفال: 16 وقال أيضا: (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار وكان عهد الله مسؤولا) الأحزاب: 15.
فهذا كله أعني ضيق الأرض عليهم بما رحبت ثم انهزامهم وفرارهم من الزحف على ما فيه من كبير الاثم، ووقوفهم هذا الموقف الذي يستتبع العتاب من ربهم إنما ساقهم إليه اعتمادهم واطمئنانهم إلى هذه الأسباب السرابية التي لا تغنى عنهم شيئا.
والله سبحانه بسعة رحمته وعظم منه أمتن عليهم بنصره وإنزال سكينته وإنزال جنود لم يروها، وتعذيب الكافرين، ووعد مجمل بمغفرته: وعدا ليس بالمقطوع وجوده حتى تبطل به صفة الخوف من قلوبهم ولا بالمقطوع عدمه حتى تزول صفة الرجاء من نفوسهم بل وعدا يحفظ فيهم الاعتدال والتوسط بين صفتي الخوف