يؤخذا قبل نزول الآيات وإخبارهم بحليتها وطيبها (عذاب عظيم) وهو كما تقدم يدل على عظم المعصية لان العذاب العظيم إنما يستحق بالمعصية العظيمة (فكلوا مما غنمتم) وتصرفوا فيما أحرزتم من الفائدة سواء كان مما تسلطتم عليه من أموال المشركين أو مما أخذتم منهم من الفداء (حلالا طيبا) أي حال كونه حلالا طيبا بإباحة الله سبحانه (واتقوا الله ان الله غفور رحيم) وهو تعليل لقوله: (فكلوا مما غنمتم) الخ أي غفرنا لكم ورحمناكم فكلوا مما غنمتم أو تعليل لجميع ما تقدم أي لم يعذبكم الله بل أباحه لكم لأنه غفور رحيم.
قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى) إلى آخر الآية كون الاسرى بأيديهم استعارة لتسلطهم عليهم تمام التسلط كالشئ يكون في يد الانسان يقلبه كيف يشاء.
وقوله: (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا) كناية عن الايمان أو اتباع الحق الذي يلازمه الايمان فإنه تعالى يعدهم في آخر الآية بالمغفرة، ولا مغفرة مع شرك قال تعالى:
(إن الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء: 48.
ومعنى الآية: يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى الذين تسلطتم عليهم وأخذت منهم. الفداء: إن ثبت في قلوبكم الايمان وعلم الله منكم ذلك - ولا يعلم إلا ما ثبت وتحقق - يؤتكم خيرا مما أخذ منكم من الفداء ويغفر لكم والله غفور رحيم.
قوله تعالى: (وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم) الخ أمكنه منه أي أقدره عليه، وإنما قال اولا: (خيانتك) ثم قال: (خانوا الله) لانهم أرادوا بالفدية ان يجمعوا الشمل ثانيا ويعودوا إلى محاربته صلى الله عليه وآله وسلم، وأما خيانتهم لله من قبل فهى كفرهم وإصرارهم على أن يطفؤوا نور الله وكيدهم ومكرهم.
ومعنى الآية: إن آمنوا بالله وثبت الايمان في قلوبهم آتاهم الله خيرا مما أخذ منهم وغفر لهم، وإن أرادوا خيانتك والعود إلى ما كانوا عليه من العناد والفساد فإنهم خانوا الله من قبل فأمكنك منهم وأقدرك عليهم وهو قادر على أن يفعل بهم ذلك ثانيا، والله عليم بخيانتهم لو خانوا حكيم في إمكانك منهم.