(بحث روائي) في تفسير البيضاوي في قوله تعالى: (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة) هم يهود بني قريظة عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان لا يمالؤوا عليه فأعانوا المشركين بالسلاح وقالوا: نسينا، ثم عاهدهم فنكثوا ومالؤوهم عليه يوم الخندق، وركب كعب بن الأشرف إلى مكة فحالفهم.
أقول: وروى ذلك عن ابن عباس ومجاهد، وروى عن سعيد بن جبير ان الآية نزلت في ستة رهط من اليهود منهم ابن تابوت. وايضاح ما تشير إليه الآية من نقض اليهود ميثاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرة بعد مرة وما قاساه من المحن من ناحيتهم يحتاج إلى سير اجمالي فيما جرى بينه صلى الله عليه وآله وسلم وبينهم من الامر بعد هجرته صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة إلى سبع سنين من الهجرة.
وقد كانت طوائف من اليهود هاجرت من بلادها إلى الحجاز وتوطنوا بها وبنوا فيها الحصون والقلاع، وزادت نفوسهم وكثرت أموالهم وعظم أمرهم وقد مرت في ذيل قوله تعالى: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين) البقرة: 89 في الجزء الأول من الكتاب روايات في بدء مهاجرتهم إلى الحجاز وكيفية نزولهم حول المدينة وبشارتهم الناس بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ولما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة ودعاهم إلى الاسلام استنكفوا عن الايمان به فصالح يهود المدينة وعاهدهم بكتاب كتب بينه وبينهم وهم ثلاثة رهط حول المدينة:
بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة أما بنو قينقاع فنكثوا العهد في غزوة بدر فسار إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منتصف شوال في السنة الثانية من الهجرة بعد بضعة وعشرين يوما من وقعة بدر فتحصنوا في حصونهم فحاصرهم أشد الحصار، وبقوا على ذلك خمسة عشر يوما.
ثم نزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفوسهم وأموالهم ونسائهم وذراريهم فأمر بهم فكتفوا، وكلم عبد الله بن أبى بن سلول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهم وألح عليه وكانوا حلفاءه فوهبهم له، وأمرهم ان يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه بها فخرجوا إلى أذرعات الشام ومعهم نسائهم وذراريهم، وقبض منهم أموالهم غنيمة الحرب، وكانوا ستمأة مقاتل من أشجع اليهود.