ألف بقتل سبعين منهم، ونسبة السبعين إلى الألف قريبة من نسبة الواحد إلى أربعة عشر فكان انهزامهم في معنى انهزام الأربعة عشر مقاتلا من مقاتل واحد، وليس ذلك إلا لفقه المؤمنين الذي يستصحب العلم والايمان، وجهل الكفار الذي يلازمه الكفر والهوى.
قوله تعالى: (الان خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن) الخ أي إن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين من الذين كفروا وإن يكن منكم ألف صابر يغلبوا الفين من الذين كفروا على وزان ما مر في الآية السابقة.
وقوله: (وعلم أن فيكم ضعفا) المراد به الضعف في الصفات الروحية ولا محالة ينتهى إلى الايمان فإن الايقان بالحق هو الذي ينبعث عنه جميع السجايا الحسنة الموجبة للفتح والظفر كالشجاعة والصبر والرأي المصيب وأما الضعف من حيث العدة والقوة فمن الضروري ان المؤمنين لم يزالوا يزيدون عدة وقوة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقوله: (بإذن الله) تقييد لقوله: (يغلبوا) أي إن الله لا يشاء خلافه والحال انكم مؤمنون صابرون، وبذلك يظهر ان قوله: (والله مع الصابرين) يفيد فائدة التعليل بالنسبة إلى الاذن.
وقوله تعالى في الآية السابقة تعليلا للحكم: (بأنهم قوم لا يفقهون) وكذا في هذه الآية: (وعلم أن فيكم ضعفا) (والله مع الصابرين) وعدم الفقه والضعف الروحي والصبر من العلل والأسباب الخارجية المؤثرة في الغلبة والظفر والفوز بلا شك يدل على أن الحكم في الآيتين مبنى على ما اعتبر من الأوصاف الروحية في الفئتين:
المؤمنين والكفار، وأن القوى الداخلة الروحية التي اعتبرت في الآية الأولى ما في المؤمن الواحد منها غالبة على القوى الداخلة الروحية في عشر من الكفار عادت بعد زمان يسير يشير إليه بقوله: (الان خفف الله عنكم) لا يربو ما في المؤمن الواحد منها - من متوسطي المؤمنين - إلا على اثنين من الكفار فقد فقدت القوة من أثرها بنسبة الثمانين في المائة وتبدلت العشرون والمائتان في الآية الأولى إلى المائة والمائتين في الآية الثانية، والمائة والألف في الأولى إلى الألف والألفين في الثانية.
والبحث الدقيق في العوامل المولدة للسجايا النفسانية بحسب الأحوال الطارئة على الانسان في المجتمعات يهدى إلى ذلك فإن المجتمعات المنزلية والأحزاب المنعقدة