قال تعالى: (إن الانسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا) المعارج: 21، وقال: (إن النفس لامارة بالسوء) يوسف: 53، وقال:
(ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) هود: 119، إلى غير ذلك من الآيات.
وغاية ما يمكن الانسان في بسط الألفة وإرضاء القلوب المشحونة بالعداوة والبغضاء ان يقنعهم أو يسكتهم ببذل ما يحبون من مال أو جاه أو سائر النعم الدنيوية المحبوبة عندهم غير أنه إنما ينفع في موارد جزئية خاصة، وأما العداوة والبغضاء العامتان فلا سبيل إلى إزالتهما عن القلوب ببذل النعمة فإنه لا يبطل غريزة الاستزادة والشح الملتهب في كل نفس بما يشاهد من المزايا الحيوية عند غيره.
على أن من النعم ما لا يقبل إلا الاختصاص والانفراد كالملك والرئاسة العالية وأمور أخرى تجرى مجراهما حتى أن الأمم الراقية ذوي المدنية والحضارة لم يتمكنوا من معالجة هذا الداء إلا بما يزول به بعض شدته، ويستريح جثمان المجتمع من بعض عذابه، وأما البغضاءات المتعلقة بالأمور التي تختص به بعض مجتمعهم كالرئاسة والملك فهى على حالها تتقد بشررها القلوب ولا يزال يأكل بعضها بعضا.
على أن ذلك ينحصر فيما بينهم وأما المجتمعات الخارجة من مجتمعهم فلا يعبا بحالهم ولا يعتنى من منافعهم الحيوية إلا بما يوافق منافع أولئك وإن أعيتهم طوارق البلاء وعفاهم الدهر بالعناء.
وقد من الله على الأمة الاسلامية إذ أزال الشح عن نفوسهم وألف بين قلوبهم بمعرفة إلهية علمه إياهم وبثه فيما بينهم ببيان ان الحياة الانسانية حياة خالدة غير محصورة في هذه الأيام القلائل التي ستفنى ويبقى الانسان ولاخبر عنها، وان سعادة هذه الحياة الدائمة غير التمتع بلذائذ المادة والرعى في كلا الخسة بل هي حياة واقعية وعيشة حقيقية يحيى ويعيش بها الانسان في كرامة عبودية الله سبحانه، ويتنعم بنعم القرب والزلفى ثم يتمتع بما تيسر له من متاع الحياة الدنيا مما ساقه إليه الحظ أو الاكتساب عارفا بحقوق النعمة ثم ينتقل إلى جوار الله ويدخل دار رضوانه ويخالط هناك الصالحين من عباده، ويحيى حق الحياة قال تعالى: (وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع) الرعد: 26، وقال تعالى: (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون) العنكبوت: 64 وقال: (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا