وقد افتتح هذه القطعة من الكلام المتعلق بهم بكونهم شر الدواب عنده لان مغزى الكلام التحرز منهم ودفعهم، ومن المغروز في الطباع ان الشر الذي لا يرجى معه خير يجب دفعه بأي وسيلة صحت وأمكنت فناسب ما سيأمره في حقهم بقوله:
(فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم) الخ الافتتاح ببيان كونهم شر الدواب.
وعقب قوله: (الذين كفروا) بقوله: (فهم لا يؤمنون) مبتدأ بفاء التفريع أي ان من وصفهم الذي يتفرع على كفرهم انهم لا يؤمنون، ولا يتفرع عدم الايمان على الكفر إلا إذا رسخ في النفس رسوخا لا يرجى معه زواله فلا مطمع حينئذ في دخول الايمان في قلب هذا شأنه لمكان المضادة التي بين الكفر والايمان.
ومن هنا يظهر ان المراد بقوله: (الذين كفروا) الذين ثبتوا على الكفر، وعند هذا يرجع معنى هذه الآية إلى نظيرتها السابقة: (ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) الأنفال: 23.
على أن الآيتين لما دلتا على حصر الشر عند الله في طائفة معينة من الدواب كانت الآية الأولى مع دلالتها على كون أهلها ممن لا يؤمنون البتة دالة على أن المراد بقوله في الآية الثانية: (الذين كفروا فهم لا يؤمنون) كونهم ثابتين على كفرهم لا يزولون عنه البتة.
قوله تعالى: (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون) بيان للذين كفروا في الآية السابقة أو بدل منهم بدل البعض من الكل، ويتفرع عليه أن (من) في قوله (منهم) تبعيضية والمعنى: الذين عاهدتهم من بين الذين كفروا، وأما احتمال ان يكون من زائدة والمعنى: الذين عاهدتهم، أو بمعنى مع والمعنى:
الذين عاهدت معهم: فليس بشئ.
والمراد بكل مرة مرات المعاهدة اي ينقضون عهدهم في كل مرة عاهدتهم وهم لا يتقون الله في نقض العهد أو لا يتقونكم ولا يخافون نقض عهدكم، وفيه دلالة على تكرر النقض منهم.
قوله تعالى: (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون)