تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٣٤٣
لانبائهما عن خصوصية جسمانية لا يمكن سلبها عنهما، ولو أمكن لم يكن مانع عن إطلاقهما عليه كالجواد والعدل والرحيم.
فكون اسم ما من أسمائه تعالى أحسن الأسماء أن يدل على معنى كمالي غير مخالط لنقص أو عدم، مخالطة لا يمكن معها تحرير المعنى من ذلك النقص والعدم وتصفيته، وذلك في كل ما يستلزم حاجة أو عدما وفقدا كالأجسام والجسمانيات والافعال المستقبحة أو المستشنعة، والمعاني العدمية فهذه الأسماء بأجمعها محصول لغاتنا لم نضعها إلا لمصاديقها فينا التي لا تخلو عن شوب الحاجة والنقص غير أن منها ما لا يمكن سلب جهات الحاجة والنقص عنها كالجسم واللون والمقدار وغيرها، ومنها ما يمكن فيه ذلك كالعلم والحياة والقدرة فالعلم فينا الإحاطة بالشئ من طريق أخذ صورته من الخارج بوسائل مادية، والقدرة فينا المنشأية للفعل بكيفية مادية موجودة لعضلاتنا، والحياة كوننا بحيث نعلم ونقدر بما لنا من وسائل العلم والقدرة فهذه لا تليق بساحة قدسه غير أنا إذا جردنا معانيها عن خصوصيات المادة عاد العلم وهو الإحاطة بالشئ بحضوره عنده، والقدرة هي المنشأية للشئ بإيجاده، والحياة كون الشئ بحيث يعلم ويقدر، وهذه لا مانع من إطلاقها عليه لأنها معان كمالية خالية عن جهات النقص والحاجة، وقد دل العقل والنقل أن كل صفة كمالية فهي له تعالى وهو المفيض لها على غيره من غير مثال سابق فهو تعالى عالم قادر حي لكن لا كعلمنا وقدرتنا وحياتنا بل بما يليق بساحة قدسه من حقيقة هذه المعاني الكمالية مجردة عن النقائص.
وقد قدم الخبر في قوله: " ولله الأسماء الحسنى " وهو يفيد الحصر، وجئ بالأسماء محلى باللام، والجمع المحلى باللام يفيد العموم، ومقتضى ذلك أن كل اسم أحسن في الوجود فهو لله سبحانه لا يشاركه فيه أحد، وإذ كان الله سبحانه ينسب بعض هذه المعاني إلى غيره ويسميه به كالعلم الحياة والخلق والرحمة فالمراد بكونها لله كون حقيقتها له وحده لا شريك له.
وظاهر الآيات بل نص بعضها يؤيد هذا المعنى كقوله: " أن القوة لله جميعا " البقرة: 165. وقوله: " فإن العزة لله جميعا " النساء: 139، وقوله: " ولا يحيطون
(٣٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 ... » »»
الفهرست