انشاء الكلمات التامات التي هي عالم الذكر الحكيم وهكذا حتى في عالم المادة ذكرنا مرتبة من اذكاره بمعنى انا ذاكروه بحوله وقوته ولولاه لم يتأت لنا ذكره ولعله مراد من قال من العرفاء لقد كنت دهرا قبل ان يكشف الغطا * أخالك انى ذاكر لك شاكر * فلما أضاء الليل أصبحت عارفا بأنك مذكور وذكر وذاكر وهو تعالى خير الذاكرين بحسب ذاكريته لنفسه لان علمه بنفسه أتم من علمنا به لكون الأول بالكنه والثاني بالوجه وإن كان للوجه مراتب وبحسب ذاكريته لنا المشار إليها في قوله تعالى فاذكروني أذكركم وفى الحديث القدسي انا مع عبدي إذ اذكرني من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملاء ذكرته في ملاء خير منه لان ظهورنا في الأكوان السابقة أتم من ظهورنا في هذا الكون الطبيعي فنوه تعالى باسمنا في اللاهوت كما في الجبروت المعبر عنه في الحديث القدسي المذكور بملاء خير من ملاء عالمنا وكيف لا يكون ذاكريته لنا خيرا من ذاكريتنا والعلة حد تام للمعلول بخلاف المعلول فإنه حد ناقص للعلة يا خير المنزلين ينزل الأشياء من عالم العقل الكلى إلى عالم النفس الكلية ومنه إلى عالم المثال ومنه إلى عالم الطبيعة وعالم الجسم كما أن أفعال الانسان الصغير في مكمن غيبه في غاية الخفا كأنها غير مشعور بها وفى مرتبة علمه التفصيلي مستحضرة ولكن بنحو الكلية وفى مقام خياله بالصور الجزئية وفى أخيرة المراتب يظهر بصور المواد العنصرية وينزل جبرئيل وهو بالأفق الاعلى إلى عالم الأشباح والمقادير فيتصور بصورة دحية الكلبي ويتمثل بشرا سويا وينزل آيات محكمات واخر متشابهات وفى كسوة الفاظ وعبارات وينزل من السماء ماء طهورا أفرأيتم الماء الذي تشربون أنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون وهكذا يدبر الامر من السماء إلى الأرض وكونه تعالى هو المنزل الحقيقي لا ينافى وجود الوسايط فهو خير المنزلين يا خير المحسنين الاحسان بمعنى الاتيان بالحسن لا خفاء في أن اكمله له تعالي فاطلاق خير المحسنين عليه تعالى بهذا المعنى واما الاحسان بالمعنى الذي أشير إليه بقوله تعالى ثم اتقوا وامنوا ثم اتقوا وأحسنوا وسئل عن النبي صلى الله عليه وآله ما الاحسان فقال صلى الله عليه وآله الاحسان ان تعبد ربك كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وهو المترتب عند أهل السلوك على أخيرة مراتب التقوى التي هي الاتقاء عن شهود الغير مط المسمى بالتوحيد الذاتي فهو لا يطلق عليه تعالى كما لا يخفى كما على غيره في قوله تعالى يحب المحسنين ونجزى المحسنين وغير هما حتى يكون هو تعالى خيرهم كما في خير الغافرين وأمثاله اللهم الا ان لا يجعل خير افعل التفضيل بل مثل ما يراد
(٣٩)