التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٢ - الصفحة ٣٧٧
أصحابه ليموت بعضهم في هذا الحر، ورياح البوادي، ومياه المواضع المؤذية الفاسدة، ومن سلم من ذلك فبين أسير في يد أكيدر، وقتيل وجريح، واستأذنه المنافقون بعلل ذكروها بعضهم يعتل بالحر وبعضهم بمرض بجسده، وبعضهم بمرض في عياله، وكان يأذن لهم فلما أصبح وضح عزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الرحلة إلى تبوك. عمد هؤلاء المنافقون فبنوا خارج المدينة مسجدا، وهو مسجد الضرار يريدون الاجتماع فيه، ويوهمون أنه للصلاة وإنما كان ليجتمعوا فيه لعلة الصلاة فيتم تدبيرهم، ويقع هناك ما يسهل به لهم ما يريدون، ثم جاء جماعة منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: يا رسول الله إن بيوتنا قاصية عن مسجدك فإنا نكره الصلاة في غير جماعة، ويصعب علينا الحضور وقد بنينا مسجدا فإن رأيت أن تقصده وتصلي فيه لنتيمن ونتبرك بالصلاة في موضع مصلاك.
فلم يعرفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما عرفه الله عن أمرهم ونفاقهم، وقال: إئتوني بحماري فأتي باليعفور فركبه يريد نحو مسجدهم فكلما بعثه هو وأصحابه لم ينبعث، ولم يمش، فإذا صرف رأسه عنه إلى غيره سار أحسن سيره وأطيبه، قالوا: لعل هذا الحمار قد رآى من الطريق شيئا كرهه ولذلك لا ينبعث نحوه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إئتوني بفرس فركبه فلما بعثه نحو مسجدهم لم ينبعث، وكلما حركوه نحوه لم يتحرك حتى إذا فتلوا رأسه إلى غيره سار أحسن سير، فقالوا: ولعل هذا الفرس قد كره شيئا في هذا الطريق، فقال: تعالوا نمش إليه فلما تعاطى هو ومن معه المشي نحو المسجد جفوا في مواضعهم، ولم يقدروا على الحركة وإذا هموا بغيره من المواضع خفت حركاتهم، ونقيت أبدانهم وبسطت قلوبهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا أمر قد كرهه الله وليس يريده الآن وأنا على جناح سفر فأمهلوني حتى أرجع إن شاء الله، ثم أنظر في هذا نظرا يرضاه الله، وجد في العزم على الخروج إلى تبوك، وعزم المنافقون على اصطلام مخلفيهم إذا خرجوا فأوحى الله تعالى إليه يا محمد إن العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول: إما أن تخرج أنت
(٣٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 ... » »»
الفهرست