الوحي وعيبة العلم ومنار الهدى والحجج على أهل الدنيا وخزائن اسرار الوحي والتنزيل، ومعادن جواهر العلم والتأويل، الأمناء على الحقائق، والخلفاء على الخلائق، أولوا الأمر الذين أمروا بطاعتهم وأهل الذكر الذين أمروا بمسألتهم وأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والراسخون في العلم الذين عندهم علم القرآن كله تأويلا وتفسيرا ومع ذلك كله يحسبون أنهم مهتدون إنا لله وإنا إليه راجعون.
ولما أصبح الأمر كذلك وبقي العلم مخزونا هنالك صار الناس كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب بإمامهم فضربوا بعضه ببعض لترويج مرامهم وحملوه على أهوائهم في تفاسيرهم وكلامهم، والتفاسير التي صنفها علماء العامة من هذا القبيل فكيف يصح عليها التعويل، وكذلك التي صنفها متأخروا أصحابنا، فإنها أيضا مستندة إلى رؤساء العامة وشذ ما نقل فيه حديث عن أهل العصمة، وذلك لأنهم إنما نسجوا على منوالهم واقتصروا في الأكثر على أقوالهم، مع أن أكثر ما تكلم به هؤلاء وهؤلاء فإنما تكلموا في النحو والصرف والاشتقاق واللغة والقراءة وأمثالها مما يدور على القشر دون اللباب فأين هم والمقصود من الكتاب، وإنما أورد كل طائفة منهم ما قويت فيه منته، وترك ما لا معرفة له به مما قصرت عنه همته، ومنهم من أدخل في التفسير ما لا يليق به فبسط الكلام في فروع الفقه وأصوله وطول القول في اختلاف الفقهاء أو صرف همته فيه إلى المسائل الكلامية وذكر ما فيها من الآراء، واماما وصل الينا مما ألفه قدماؤنا من أهل الحديث فغير تام لأنه إما غير منته إلى آخر القرآن وإما غير محيط بجميع الآيات المفتقرة إلى البيان، مع أن منه ما لم يثبت صحته عن المعصوم لضعف رواته أو جهالة حالهم ونكارة بعض مقالهم، ومنه ما أورد جامعه في كثير من المواضع ما لا مدخل له في فهم القرآن وترك فيه وفي مواضع اخر ما لا بد منه في التفسير والتبيان. لم يأت بنظم يليق، ولا بأسلوب أنيق، ومنه ما يشتمل مع ذلك على ما ثبت خلافه في العقل والأنباء كنسبة الكبائر والسفه إلى الأنبياء، ومنه ما يشتمل على التأويلات البعيدة التي تشمئز عنها الطباع وتنفر عنه الأسماع