الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ١٣٦
والأصل وألحقنا بذى الشحم، فوقع منتصف الرجز أو منتهاه على القول بأن مشطور الرجز بيت كامل عند اللام وبنى الشاعر على أنه لا بد عند المنتصف أو المنتهى من وقيفة فقدر بتلك الوقفة بعدا بين المعرف وآلة التعريف فطراها ثانية، فهذه التطرية لم تتوقف على أن يحول بين الأول وبين المكرر ولا كلمة واحدة سوى تقديره وقفة لطيفة لا غير، فتأمل هذا الفصل فإنه جدير بالتأمل، والله أعلم.
قوله تعالى (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون) قال (إن قلت: كيف أسند التزيين إلى ذاته وقد أسنده إلى الشيطان في قوله - وزين لهم الشيطان أعمالهم - قلت: إن بين الإسنادين فرقا، فالإسناد إلى الله مجاز وإلى الشيطان حقيقة. وقد روى عن الحسن أن المراد زينا لهم أعمال البر فعمهوا عنها ولم يهتدوا إلى العمل بها).
قال أحمد: وهذا الجواب مبنى على القاعدة الفاسدة في إيجاب رعاية الصلاح والأصلح، وامتناع أن يخلق الله تعالى للعبد إلا ما هو مصلحة، فمن ثم جعل إسناد التزيين إلى الله تعالى مجازا وإلى الشيطان حقيقة، ولو عكس الجواب لفاز بالصواب، وتأمل ميله إلى التأويل الآخر من أن المراد أعمال البر على بعده لأنه لا يعرض لقاعدته بالنقض وأنى لهم ذلك وقد أتى الله بنيانهم من القواعد. على أن التزيين قد ورد في الخبر في قوله تعالى - ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم - على أن غالب وروده في غير البر كقوله - زين للناس حب الشهوات - زين للذين كفروا الحياة الدنيا - وكذلك زين لكثير من المشركين - ومما يبعد حمله على أعمال البر إضافة الأعمال إليهم في قوله أعمالهم، وأعمال البر ليست مضافة إليهم لأنهم لم يعملوها قط، فظاهر الإضافة يعطى ذلك، ألا ترى إلى قوله تعالى - ولما يدخل الإيمان في قلوبكم - وقوله - قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان -
(١٣٦)
مفاتيح البحث: الشهوة، الإشتهاء (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 134 135 136 137 139 141 145 149 ... » »»