الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٤٨١
أحدهما باقتران الواسطة والآخر بسقوطها، فالصواب أحد أمرين: إما تقدير المتعلقين على ماهما عليه لو انفردا فيكون التقدير: ما تركبونه وتركبون فيه، والأقرب تعليله باعتبار التعدي بنفسه ويكون هذا من تغليب أحد اعتباري الفعل على الآخر وهو أسهل من التغليب في قوله تعالى - فأجمعوا أمركم وشركاءكم - على أحد التأويلين فيه، فإن التباين ثم ثابت بين الفعلين من حيث المعنى: أعني أجمع على الأمر وجمع الشركاء، ولكن لما تقاربا غلب أحدهما على الآخر ثم جعل المغلب هو المتعدى بنفسه، والله أعلم.
قوله تعالى (أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين) قال فيه (كأنه قيل: هبوا أن إضافة الولد إليه جائزة فرضا وتمثيلا أما تستحيون من الشطط في القسمة ومن ادعاء أنه آثركم على نفسه الخ) قال أحمد: نحن معاشر أهل السنة نقول: إن كل شئ بمشيئة الله تعالى حتى الضلالة والهدى اتباعا لدليل العقل وتصديقا لنص النقل في أمثال قوله تعالى - يضل من يشاء ويهدى من يشاء - وآية الزخرف هذه لا تزيد هذا المعتقد الصحيح إلا تمهيدا ولا تفيده إلا تصويبا وتسديدا، فنقول: إذا قال الكافر لو شاء الله ما كفرت فهذه كلمة حق أراد بها باطلا، أما كونها كلمة حق فلما مهدناه، وأما كونه أراد بها باطلا فمراد الكافر بذلك أن يكون له الحجة على الله توهما أنه يلزم من مشيئة الله تعالى لضلالة من ضل أن لا يعاقبه على ذلك لأنه إنما فعل مقتضى مشيئته، كما توهم القدرية إخوان الوثنية ذلك فأشركوا بربهم واعتقدوا أن الضلالة وقعت بمشيئة الخلق على خلاف مشيئة الخالق، فالذين أشركوا بالملائكة أرفع منهم درجة لأن هؤلاء أشركوا أنفسهم الدنية في ملك ربهم المتوحد بالربانية جل وعلا، فإذا وضح ما قلناه فإنما رد الله عليهم مقالتهم هذه لأنهم توهموا أنها حجة على الله فدحض الله حجتهم وأكذب أمنيتهم وبين أن مقالتهم صادرة عن ظن كاذب وتخرص محض فقال - ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون، وإن هم إلا يظنون - وقد أفصحت أخت هذه الآية مع هذه الآية عن هذا التقدير وذلك قوله تعالى في سورة الأنعام - وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من
(٤٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 476 477 478 479 480 481 482 483 485 486 487 ... » »»