الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٤٧٩
قوله تعالى (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا) الآية، قال فيه (فإن قلت: قوله - ليقولن خلقهن العزيز العليم - وما سرد من الأوصاف عقبه إن كان من قولهم الخ) قال أحمد: الذي يظهر أن الكلام مجزأ فبعضه من قولهم وبعضه من قول الله تعالى، فالذي هو من قولهم خلقهن وما بعده من قول الله عز وجل، وأصل الكلام أنهم قالوا - خلقهن الله، ويدل عليه قوله في الآية الأخرى - ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله - ثم لما قالوا خلقهن الله وصف الله تعالى ذاته بهذه الصفات. ولما سيق الكلام كله سياقة واحدة حذف الموصوف من كلامهم وأقيمت الصفات المذكورة في كلام الله تعالى مقامه كأنه كلام واحد، ونظير هذا أن تقول للرجل: من أكرمك من القوم؟ فيقول: أكرمني زيد، فتقول أنت واصفا للمذكور الكريم الجواد الذي من صفته كذا وكذا ثم لما وقع الانتقال من كلامهم إلى كلام الله عز وجل جرى كلامه عز وجل على ما عرف من الافتتان في البلاغة، فجاء أوله على لفظ الغيبة وآخره على الانتقال منها إلى التكلم في قوله فأنشرنا كل ذلك افتتان في أفنان البلاغة، ومن هذا النمط قوله تعالى حكاية عن موسى - قال علمها عند ربى في كتاب لا يضل ربى ولا ينسى الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى - فجاء أول الكلام حكاية عن موسى إلى قوله ولا ينسى، ثم وقع الانتقال من كلام موسى إلى كلام الله تعالى فوصف ذاته أوصافا متصلة بكلام موسى حتى كأنه كلام واحد، وابتدأ في ذكر صفاته على لفظ الغيبة إلى قوله - فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى - فانظر إلى تحقيق التطبيق بين الآيتين تر العجب، والله الموفق.
قوله تعالى (وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون) الآية. قال فيه (يقال ركبت الدابة وركبت في الفلك
(٤٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 473 474 476 477 478 479 480 481 482 483 485 ... » »»