الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٣٢٣
قوله تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار) قال فيه (معناه أن كل واحد منهما لا يدخل على الاخر في سلطانه فيطمس نوره، بل هما متعاقبان بمقتضى تدبيره تعالى. قال: فإن قلت: لم جعلت الشمس غير مدركة والقمر غير سابق؟ قلت: لان الشمس بطيئة السير تقطع فلكها في سنة والقمر يقطع فلكه في شهر، فكانت الشمس لبطئها جديرة بأن توصف الادراك والقمر لسرعته جديرا بأن يوصف بالسبق. انتهى كلامه) قلت: يؤخذ من هذه الآية أن النهار تابع لليل وهو المذهب المعروف للفقهاء، وبيانه من الآية أنه جعل الشمس التي هي آية النهار غير مدركة للقمر الذي هو آية الليل. وإنما نفى الادراك لأنه هو الذي يمكن أن يقع وذلك يستدعى تقدم القمر وتبعية الشمس، فإنه لا يقال أدرك السابق اللاحق، ولكن أدرك اللاحق السابق، وبحسب الامكان توقيع النفي، فالليل إذا متبوع والنهار تابع. فإن قيل: هل يلزم على هذا أن يكون الليل سابق النهار وقد صرحت الآية بأنه ليس سابقا؟ فالجواب أن هذا مشترك الالزام، وبيانه أن الأقسام المحتملة ثلاثة: إما تبعية النهار لليل وهو مذهب الفقهاء، أو عكسه وهو المنقول عن طائفة من النحاة، أو اجتماعهما. فهذا القسم الثالث منفي باتفاق فلم يبق إلا تبعية النهار لليل وعكسه، وهذا السؤال وارد عليهما جميعا لان من قال: إن النهار سابق الليل لزمه أن يكون مقتضى البلاغة أن يقال: ولا الليل يدرك النهار، فإن المتأخر إذا نفى إدراكه كان أبلغ من نفي سابقه مع
(٣٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 315 316 318 321 322 323 324 325 326 329 333 ... » »»