الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ٩٥
قوله تعالى (قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا) الآية قال (إن قلت: كيف خاطبوا شعيبا بصيغة العود الخ) قال أحمد: والزمخشري بنى هذا الكلام على أن صيغة العود تستدعي رجوع العائد إلى حال كان عليها قبل. والتحقيق في الجواب عن السؤال المذكور مع اقتضاء العود لذلك أن هذا الفعل وإن استعمل كذلك إلا أنه كثيرا ما يرد بمعنى صار، وحينئذ يجوز أن يكون أخا لكان ولا يستدعي الرجوع إلى حالة سابقة، بل عكس ذلك وهو الانتقال من حال سابقة إلى حالة مؤتنفة مثل صار وكأنهم قالوا والله أعلم: لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتصيرن كفارا مثلنا، وحينئذ يندفع السؤال أو يسلم استعمال العود بمعنى الرجوع إلى سابق. ويجاب عن ذلك بمثل الجواب عن قوله تعالى - الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات - والإخراج يستدعي دخولا سابقا فيما وقع الإخراج منه، ونحن نعلم أن المؤمن الناشئ في الايمان لم يدخل قط في ظلمة الكفر ولا كان فيها، وكذلك الكافر الأصلي لم يدخل قط في نور الإيمان ولا كان فيه، ولكن لما كان الإيمان والكفر من الأفعال الاختيارية التي خلق الله العبد متيسرا لكل واحد منهما متمكنا منه لو أراده، فعبر عن تمكن المؤمن من الكفر ثم عدوله عنه إلى الإيمان إخبارا بالإخراج من الظلمات إلى النور توفيقا من الله له ولطفا به وبالعكس في حق الكافر، وقد مضى نظير هذا النظر عند قوله تعالى - أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى - وهو المجاز المعبر فيه عن السبب بالمسبب، وفائدة اختياره في هذه المواضع تحقيق التمكن والاختيار لإقامة حجة الله على عباده، والله أعلم.
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 90 91 93 95 96 99 100 101 103 ... » »»