الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ٩٩
قوله تعالى (أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم) قال (إن قلت: بم يتعلق قوله ونطبع على قلوبهم الخ؟) قال أحمد: بل يجوز والله عطفه عليه، ولا يلزم أن يكون المخاطبون موصوفين بالطبع ولا يضرهم أن كانوا كفارا أو مقترفين للذنوب، فليس الطبع من لوازم اقتراف الذنب ولا بد، إذ الطبع هو التمادي على الكفر والإصرار والغلو في التصميم حتى يكون الموصوف به مأيوسا من قبوله للحق، ولا يلزم أن يكون كل كافر بهذه المثابة، بل إن الكافر يهدد من تماديه على كفره بأن يطبع الله على قلبه فلا يؤمن أبدا وهو مقتضى العطف على أصنامهم، فتكون الآية قد هددتهم بأمرين: قال أحدهما الإصابة ببعض ذنوبهم والآخر الطبع على قلوبهم. وهذا الثاني أشد من الأول، وهو أيضا نوع من الإصابة بالذنوب أو العقوبة عليها، ولكنه أنكى أنواع العذاب وأبلغ صنوف العقاب، وكثيرا ما يعاقب الله على الذنب بالإيقاع في ذنب أكبر منه، وعلى الكفر بزيادة التصميم عليه والغلو فيه كما قال تعالى - فزادتهم رجسا إلى رجسهم كما زادت المؤمنين إيمانا إلى إيمانهم - وهذا النوع من الثواب والعقاب مناسب لما كان سببا فيه وجزاء عليه، فثواب الإيمان إيمان وثواب الكفر كفر، وإنما الزمخشري يحاذر من هذا الوجه دخول الطبع في مشيئة الله تعالى وذلك عنده محال لأنه قبيح والله عنده متعال. وأنى يتم الفرار من الحق، وكم من آية صرحت بوقوع الطبع من الله فضلا عن تعلق المشيئة به.
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 93 95 96 99 100 101 103 105 106 ... » »»