الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ١٠٣
قوله تعالى (سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) قال (معناه أروها بالحيل والشعوذة الخ) قال أحمد: معتقد المعتزلة إنكار وجود السحر والشياطين والجن في خبط طويل لهم، ومعتقد أهل السنة إقرارها الظواهر على ما هي عليه لأن العقل لا يحيل وجود ذلك، وقد ورد السمع بوقوعه فوجب الإقرار بوجوده، ولا يمنع عند أهل السنة أن يرقى الساحر في الهواء ويستدق فيتولج في الكوة الضيقة، ولا يمنع أن يفعل الله عند إرشاد الساحر ما يستأثر الاقتدار عليه، وذلك واقع بقدرة الله تعالى عند إرشاد الساحر، هذا هو الحق المعتقد الصدق، وإنما أجريت هذا الفصل لأن كلام الزمخشري لا يخلو من رمز إلى إنكاره، إلا أن هذا النص القاطع بوقوعه يلجمه عن التصريح بالدفاع وكشف القناع، ولا يدعه التصميم على اعتقاد المعتزلة من التنفيس عما في نفسه فيسميه شعوذة وحيلة، وبالقطع يعلم أن الشعوذة لا تعلم في يد ابن عمر رضي الله عنه حتى يكويها، ولا تؤثر في سيد البشر حتى يخيل إليه أنه يأتي نساءه وهو لا يأتيهن، وقد ورد ذلك وأمثاله مستفيضا واقعا، فالعمدة أن كل واقع فبقدرة الله تعالى، فلا يمتنع أن يوقع تعالى بقدرته عند إرشاد الساحر أعاجيب يضل بها من يشاء ويهدي من يشاء، والله الموفق.
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 99 100 101 103 105 106 107 108 109 ... » »»