الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ٨٠
قول الموحدين في دار الحق - وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله - وانظر تباين هذين القولين: أعني قول المعتزلي في الدنيا وقول الموحد في الآخرة - في مقعد صدق - واختر لنفسك أي الفريقين تقتدي به وما أراك، والخطاب لكل عاقل تعدل بهذا القول المحكي عن أولياء الله في دار السلام منوها به في الكتاب العزيز قول قدري ضال تذبذب مع هواه وتعصبه في دار الغرور والزوال، نسأل الله حسن المآب والمآل. عاد كلامه، قال (وقوله تعالى:
ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) المراد (بسبب أعمالكم لا بالتفضل كما تقول المبطلة) قال أحمد:
يعني بالمبطلة قوما سمعوا قوله عليه الصلاة والسلام " لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله ولكن بفضل الله وبرحمته، قيل ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمة " فقالوا: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء هم أهل السنة، قيل لهم فما معنى قوله تعالى - وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم يعملون - قالوا: الله تفضل بأن جعل الجنة جزاء العمل فضلا منه ورحمة، لا أن ذلك مستحق عليه وواجب للعبادة وجوب الديون التي لا اختيار في أدائها جمعا بين الدليلين على وجه يطابق دليل العقل الدال على أن الله تعالى يستحيل أن يجب عليه شئ، فانظر أيها المنصف هل تجد في هذا الكلام من الباطل ما يوجب أن يلقب أصحابه بالمبطلة وحاكم نفسك إليها، ثم إذا وضح لك أنهم برآء في هذا البر فاعرضه على قوم زعموا أنهم يستحقون على الله تعالى حقا بأعمالهم التي لا ينتفع بوجودها ولا يتضرر بتركها، تعالى وتقدس عن ذلك، ويطلقون القول بلسان الجراءة أن الجنة ونعيمها إقطاعهم بحق مستحق على الله تعالى لا تفضل له عليهم فيه، بل هو بمثابة دين تقاضاه بعض الناس من مديانه، وانظر أي الفريقين المذكورين أحق بقلب المبطلة والسلام. عاد كلامه، قال (فإن قلت: هلا قيل ما وعدكم ربكم كما قيل ما وعدنا الخ) قال أحمد: ولقائل أن يقول: ولو ذكر المفعول حسب ذكره في الأول فقيل فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ لكان الفعل مطلقا أيضا باعتبار الموعود به لأنه لم يذكر، فكان يتناول كل موعود من البعث والحساب والعقاب الذي هو أنواع من جملتها التحسر على نعيم أهل الجنة، فليس ذلك خاصا بحذف المفعول الواقع على الموعودين، فالوجه أن حذفه إيجاز وتخفيف واستغناء عنه بالأول، والله أعلم.
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 79 80 83 84 85 86 90 ... » »»