الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ٦٠
عليهم ويتخلص عقيدة نفوذ المشيئة وعموم تعلقها بكل كائن عن الرد، وينصرف الرد إلى دعواهم بسلب الاختيار لأنفسهم والى إقامتهم الحجة بذلك. خاصة وإذا تدبرت هذه وجدتها كافية في الرد على من زعم من أهل القبلة أن العبد لا اختيار له ولا قدرة البتة بل هو مجبور على أفعاله مقهور عليها، وهم الفرقة المعروفون بالمجبرة، والمصنف يغالط في الحقائق فيسمي أهل السنة مجبرة وإن أثبتوا للعبد اختيارا وقدرة، لأنهم يسلبون تأثير قدرة العبد ويجعلونها مقارنة لأفعاله الاختيارية مميزة بينها وبين أفعاله القسرية، فمن هذه الجهة سوى بينهم وبين المجبرة ويجعله لقبا عاما لأهل السنة، وجماع الرد على المجبرة الذين ميزناهم عن أهل السنة في قوله تعالى - سيقول الذين أشركوا - إلى قوله قل فلله الحجة البالغة - وتتمة الآية رد صراح على طائفة الاعتزال القائلين بأن الله تعالى شاء الهداية منهم أجمعين، فلم تقع من أكثرهم، ووجه الرد أن لو إذا دخلت على فعل مثبت نفته، فيقتضي ذلك أن الله تعالى لما قال - فلو شاء - لم يكن الواقع أنه شاء هدايتهم ولو شاءها لوقعت، فهذا تصريح ببطلان زعمهم ومحل عقدهم، فإذا ثبت اشتمال الآية على رد عقيدة الطائفتين المذكورتين المجبرة في أولها والمعتزلة في آخرها، فاعلم أنها جامعة لعقيدة السنة منطبقة عليها، فإن أولها كما بينا يثبت للعبد اختيارا أو قدرة على وجه يقطع حجته وعذره في المخالفة والعصيان، وآخرها يثبت نفوذ مشيئة الله في العبد وأن جميع أفعاله على وفق المشيئة الإلهية خيرا أو غيره وذلك عين عقيدتهم، فإنهم كما يثبتون للعبد مشيئة وقدرة يسلبون تأثيرها، ويعتقدون أن ثبوتهما قاطع لحجته ملزم له بالطاعة على وفق اختياره، ويثبتون نفوذ مشيئة الله أيضا وقدرته في أفعال عباده، فهم كما رأيت تبع للكتاب العزيز، يثبتون ما أثبت وينفون ما نفى، مؤيدون بالعقل والنقل، والله الموفق. عاد كلامه، قال (فإن قلت: هلا قيل قل هلم شهداء يشهدون أن الله حرم هذا، وأي فرق بينه وبين المنزل الخ) قال أحمد رحمه الله: ووجه مناقضته له أنه لو قيل على خلاف المنزل وهو قوله هلم بشهداء يشهدون يفهم أن الطالب للشهداء ليس على تحقيق من أن ثم شهداء
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 58 59 60 61 63 65 66 67 ... » »»