الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٥٣١
والحال خبر، أراد أن يبين أوجه صحة التعبير عن الخبر بالانشاء بواسطة أن هؤلاء كانوا يظنون دعاءهم مستجابا مخبرا بوقوع المدعو فيه، ونظير ورود الامر بصيغة الخبر تنبيها على تحقق وقوعه، قال محمود (ومعناه غير مسمع جوابا الخ) قال أحمد: والظاهر أن الكلم المحرف إنما أريد به في هذه السورة مثل - غير مسمع وراعنا - ولم يقصد ههنا تبديل الاحكام وتوسطها بين الكلمتين، بين قوله - يحرفون - وبين قوله - ليا بألسنتهم - والمراد أيضا تحريف مشاهد بين على أن المحرف هما وأمثالهما. وأما في سورة المائدة فالظاهر والله أعلم أن المراد فيها بالكلم الاحكام وتحريفها تبديلها، كتبديلهم الرجم بالجلد، ألا تراه تقبه بقوله - يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا - ولاختلاف المراد بالكلم في السورتين، قيل في سورة المائدة - يحرفون الكلم من بعد مواضعه - أي ينقلونه عن الموضع الذي وضعه الله فيه، فصار وطنه ومستقره إلى غير الموضع فبقى كالغريب المتأسف عليه الذي يقال فيه هذا غريب من بعد مواضعه ومقاره، ولا يوجد هذا المعنى في مثل راعنا وغير مسمع، وإن وجد على بعد فليس الوضع اللغوي مما يعبأ بانتقاله عن موضعه كالوضع الشرعي ولولا اشتمال هذا النقل على الهزء والسخرية لما عظم أمره، فلذلك جاء هنا يحرفون الكلم عن مواضعه غير مقرون بما قرن به الأول من صورة التأسف، والله أعلم.
(٥٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 520 524 527 529 530 531 532 533 537 538 539 ... » »»