الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٥١٢
قوله تعالى (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبوا من قريب فأولئك يتوب الله عليهم) الآية.
قال محمود (يعني إنما القبول والغفران واجب على الله الخ) قال أحمد: وقد تقدم في مواضع أن إطلاق مثل هذا من قول القائل يجب على الله كذا مما نعوذ بالله منه، تعالى عن الالزام والايجاب رب الأرباب. وقاعدة أهل السنة أن الله تعالى مهما تفضل فهو لا عن استحقاق سابق، لانهم يقولون: إن الافعال التي يتوهم القدرية أن العبد يستحق بها على الله شيئا كلها خلق الله، فهو الذي خلق لعبده الطاعة وأثابه عليها وخلق الله التوبة له وقبلها منه فهو المحسن أولا وآخرا وباطنا وظاهرا، لا كالقدرية الذين يزعمون أن العبد خلق لنفسه التوبة بقدرته وحوله ليستوجب على ربه المغفرة بمقتضى حكمته التي توجب عليه على زعمهم المجازاة على الأعمال إيجابا عقليا، فلذلك يطلقون بلسان الجراءة هذا الاطلاق، وما أبشع ما أكد الزمخشري هذا المعتقد الفاسد بقوله: يجب على الله قبول التوبة كما يجب على العبد بعض الطاعات، فنظر المعبود بالعبد وقاس الخالق على الخلق، وإنه لاطلاق يتقيد عنه لسان العاقل ويقشعر جلده استبشاعا لسماعه ويتعثر القلم عند تسطيره، على أن من لطف الله تعالى أن لم يجعل حاكي الكفر كافرا ولا حاكي البدعة لضرورة ردها والتحذير منها مبتدعا. وما بلغ الزمخشري في هذا الاطلاق إلا اغتناما لفرصة التمسك على صحته بصيغة (على) المشعرة بالوجوب فجعلها ذريعة لاستباحة هذا الاطلاق، ولم يجعل الله له فيها مستروحا:
فإنا نقول: معاشر أهل السنة قد وعدنا الله قبول التوبة المستجمعة لشرائط الصحة، ووقوع هذا الموعود واجب ضرورة صدق الخبر، فمهما ورد من صيغ الوجوب فمنزل على وجوب صدق الوعد، ومعنى قولنا صدق الخبر واجب كمعنى قولنا وجود الله واجب، لان أحدا لا يستوجب على الله شيئا، ألهمنا الله الأدب في حق جلاله وعصمنا من زيغ القول وضلاله.
(٥١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 504 505 507 508 509 512 513 515 516 517 518 ... » »»