الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ١ - الصفحة ٤٥٨
واردا لا يمكن عنه جواب، فكيف يليق التسامح في إيراد الأسئلة على كتاب الله تعالى بصيغ الاعتراضات، وإنما يسأل عن كتاب الله تعالى بمرأى منه ومسمع على علم بأنه كلام لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه تنزيل من حكيم حميد، فما أجدره أن يتوفر في الاسترشاد وأن يتأدب في الإيراد، ثم نعود إلى جواب الزمخشري الثاني وهو قوله: إن المراد مثل إهلاك ما ينفقون، فنقول: لم يكشف الغطاء بهذا الجواب عن المطابقة المسؤول عنها والسؤال باق، وذلك أن الريح المشبه بها ليست الإهلاك وإنما هي المهلكة، ولا مطابقة بين المصدر والاسم إلا بتأويل آخر، وحينئذ يبعد هذا الوجه، وأقرب منه أن يقول: أصل الكلام والله أعلم مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل حرث قوم ظلموا أنفسهم فأصابته ريح فيها صر فأهلكته، ولكن خولف هذا النظم في المثل المذكور لفائدة جليلة وهو تقديم ما هو أهم، لأن الريح التي هي مثل العذاب ذكرها في سياق الوعيد والتهديد أهم من ذكر الحرث فقدمت عناية بذكرها واعتمادا على أن الأفهام الصحيحة تستخرج المطابقة برد الكلام إلى أصله على أيسر وجه، ومثل هذا في تحويل النظم لمثل هذه الفائدة قوله تعالى - فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما - الآية، ومثله أيضا: أعددت هذه الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه، والأصل أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت، وأن أدعم بها الحائط إذا مال، وأمثال ذلك كثيرة والله الموفق.
(٤٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 452 453 455 456 457 458 459 463 464 466 467 ... » »»