تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٦٧٥
تذكرة (54) فمن شآء ذكره (55) وما يذكرون إلا أن يشآء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة (56)) روي: أن أبا جهل قال لقريش بعد نزول الآية: أتسمعون أن ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر، وأنتم الدهم الشجعاء، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم؟! فقال أبو الأسد الجمحي: أنا أكفيكم سبعة عشرة فاكفوني أنتم اثنين! فنزل (1): (وما جعلنآ أصحب النار إلا ملئكة) أي: وما جعلناهم رجالا من جنسكم فتطيقونهم (وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا) أي: وما جعلناهم على هذا العدد إلا فتنة للذين لم يؤمنوا بالله وبحكمته، ولم يذعنوا إذعان المؤمنين فيتعرضون ويستهزئون. كأنه قال: جعلنا عدتهم عدة من شأنها أن يفتتن بها لأجل استيقان أهل الكتاب، لأن عدتهم تسعة عشر في الكتابين (2)، فإذا سمعوا أيقنوا أنه منزل من الله، وازدياد المؤمنين إيمانا لتصديقهم بذلك، ولما رأوا من تصديق أهل الكتاب به، وانتفاء ارتياب أهل الكتاب والمؤمنين.
وأفاد اللام في (ليقول) معنى السبب وإن لم يكن غرضا، و (مثلا) تمييز أو حال، والعامل معنى الإشارة في (هذا)، وسموه (مثلا) استعارة من المثل المضروب؛ استغرابا منهم لهذا العدد، يعنون: أي شيء أراد الله بهذا العدد العجيب؟
وأي غرض في أن جعلهم تسعة عشر لا عشرين؟ ومرادهم الإنكار، والكاف في موضع نصب، أي: مثل ذلك الإضلال والهدى (يضل الله) الكافرين (ويهدى) المؤمنين. والمعنى: أنه يفعل فعلا حسنا على مقتضى الحكمة، فيراه المؤمنون صوابا حسنا فيزيدهم إيمانا وهدى، وينكره الكافرون فيزيدهم كفرا وضلالا.

(1) رواه البغوي في تفسيره: ج 4 ص 417 عن ابن عباس والضحاك، وفيه: " أبو الأشد الجمحي ".
(2) أراد: التوراة والإنجيل.
(٦٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 670 671 672 673 674 675 676 677 678 679 680 ... » »»