تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٦٧٦
(وما يعلم جنود ربك) وما عليه كل جند من العدد وما فيه من الحكمة (إلا هو)، ولا سبيل لأحد إلى معرفة ذلك، كما لا يعرف الحكمة في أعداد السماوات والكواكب والبروج، وأعداد الصلوات والنصب في الزكوات، وغير ذلك، أو: (ما يعلم جنود ربك) لفرط كثرتها (إلا هو) فلا يعز عليه تتميم الزبانية عشرين، ولكن له في هذا العدد الخاص حكمة لا يعلمها إلا هو (وما هى إلا ذكرى للبشر) متصل بوصف (سقر)، و (هى) ضميرها، أي: وما سقر وصفتها إلا تذكرة للبشر، أو: ضمير الآيات التي ذكرت فيها.
(كلا) إنكار بعد أن جعلها ذكرى، أن يكون لهم ذكرى لأنهم لا يتذكرون.
" دبر " و " أدبر " بمعنى واحد، ومنه قولهم: صاروا كأمس الدابر، وقيل: هو من: دبر الليل النهار: إذا خلفه (١)، وقرئ: " إذا دبر " (٢). (إنها لإحدى الكبر): " الكبرى " تأنيث " الأكبر "، جعلت ألف التأنيث كتائها، فكما جمعت " فعلة " على " فعل " جمعت " فعلى " على " فعل "، أي: لإحدى الدواهي الكبر، بمعنى: أنها واحدة في العظم من بينهن لا نظيرة لها. (نذيرا) تمييز من (إحدى) على معنى: إنها لإحدى البلايا إنذارا، كما يقال: فلانة إحدى النساء عفافا. وقيل: هي حال (٣).
(أن يتقدم) في موضع الرفع بالابتداء، و (لمن شاء) خبر مقدم عليه، كما تقول: لمن توضأ أن يصلي، ومعناه مطلق لمن شاء التقدم أو التأخر أن يتقدم (أو يتأخر)، والمراد بالتقدم والتأخر: السبق إلى الخير والتأخر عنه، ونحوه:
﴿فمن شآء فليؤمن ومن شآء فليكفر﴾ (4)، ويجوز أن يكون (لمن شاء) بدلا من

(١) قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن: ج ٢ ص ٢٧٥.
(٢) قرأه ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والكسائي وأبو بكر عن عاصم. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص ٦٥٩.
(٣) قاله الزجاج في معاني القرآن: ج ٥ ص ٢٤٩.
(٤) الكهف: ٢٩.
(٦٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 671 672 673 674 675 676 677 678 679 680 681 ... » »»