تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٤٤٩
عقله ورأيه، ومتانة في دينه، وصحة في جسمه (فاستوى) فاستقام على صورة نفسه الحقيقية دون الصور التي كان يتمثل بها كلما هبط بالوحي، وكان يأتيه في صورة الآدميين، فأحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يراه في صورته التي جبل عليها فاستوى له. (وهو بالأفق الأعلى) يعني: أفق الشمس فملأ الأفق، وقيل: ما رآه أحد من الأنبياء في صورته الحقيقية غير محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) رآه مرتين: مرة في الأرض ومرة في السماء (1).
(ثم دنا) من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (فتدلى) فتعلق عليه في الهواء، وهو مثل في القرب. (فكان قاب قوسين) مقدار قوسين، والقاب والقيب والقاد والقيد والقاس والقيس: المقدار، وأصله: فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين، فحذفت هذه المضافات، كما قال الشاعر:
وقد جعلتني من حزيمة إصبعا (2) أي: ذا مقدار مسافة إصبع أو أدنى من ذلك. (فأوحى إلى عبده) الضمير لله، وإن لم يجر ذكر لاسمه سبحانه لأنه لا يلتبس (مآ أوحى) تفخيم للوحي الذي أوحي إليه، و " ما " مصدرية، ويجوز أن يكون موصولة، وقيل: فأوحى جبرائيل إلى عبد الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أوحى الله إليه (3)، وقيل: أوحى إليه أن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها أنت، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك (4).
(ما كذب) فؤاد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما رآه ببصره من صورة جبرائيل (عليه السلام)، أي:

(1) وهو قول ابن مسعود. راجع تفسير الماوردي: ج 5 ص 392.
(2) وصدره: فأدرك إبقاء العرادة ظلعها. للكلحبة العريني من أبيات يفخر بها على بني تغلب ورئيسهم حزيمة بن طارق، والعرادة: اسم فرس الكلحبة. راجع خزانة الأدب للبغدادي: ج 1 ص 388 و ج 4 ص 401.
(3) قاله ابن عباس في تفسيره: ص 446.
(4) حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 420.
(٤٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 443 444 445 447 448 449 450 451 452 453 454 ... » »»