تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٢٠٩
منع اللطف تسجيلا عليهم بأن لا لطف لهم، وأنهم في علم الله من الهالكين، ولم يرد به الهداية إلى الإيمان كقوله: ﴿أما ثمود فهدينهم﴾ (1) وكذبهم قولهم: إن الملائكة بنات الله، ولذلك عقبه بقوله: (لو أراد الله أن يتخذ ولدا) أي: لو أراد اتخاذ الولد لامتنع ولم يصح ولم يتأت ذلك لكونه محالا، إلا أن يصطفي من خلقه بعضهم ويقربهم، كما يختص الرجل ولده ويقربه، ثم تنزه نفسه عن اتخاذ الولد بقوله:
(سبحنه) أي: تنزيها له عن ذلك.
ثم دل بخلق السماوات والأرض، وتكوير كل واحد من الملوين (2) على الآخر، وتسخير النيرين (3) وجريهما (لأجل مسمى)، وبث الناس على كثرتهم (من نفس وحدة) وخلق الأنعام على أنه واحد لا ثاني له في القدم، قهار لا يغالب. والتكوير: اللف واللي، يقال: كار العمامة على رأسه وكورها، والمعنى:
يغشي الليل النهار، يذهب هذا ويغشي مكانه هذا، فكأنه لفه عليه كما يلف اللباس على اللابس، وقيل: معناه: أن كل واحد منهما يغيب الآخر: إذا طرأ عليه، فشبه بشيء ظاهر لف عليه ما غيبه عن الناظر (4).
(خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الانعم ثمنية أزواج يخلقكم في بطون أمهتكم خلقا من بعد خلق في ظلمت ثلث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون (6) إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن

(١) فصلت: ١٧.
(2) الملوان: الليل والنهار، والواحد: ملى، مقصور. (الصحاح: مادة ملى).
(3) النيران: الشمس والقمر.
(4) حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 113.
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»