إمساكها، وأي شيء (يمسك) الله فلا أحد يقدر على إطلاقه، والفتح مستعار للإطلاق والإرسال بدلالة قوله: (فلا مرسل له) مكان " لا فاتح له "، وإنما نكر " الرحمة " لإرادة الشياع، كأنه قال: من أية رحمة كانت سماوية أو أرضية، وأنث الضمير أولا وذكره ثانيا وهو يرجع في الحالين معا إلى ما حملا على اللفظ والمعنى، ولأن الأول فسر بالرحمة فتبع الضمير التفسير، والثاني لم يفسر فترك على أصل التذكير، ولأن تفسير الثاني يحتمل أن يكون مطلقا في كل ما يمسكه من غضبه ورحمته. وإنما فسر الأول دون الثاني ليدل على أن رحمته سبقت غضبه.
و (اذكروا نعمت الله عليكم) بالقلب واللسان، واحفظوها عن الغمط والكفران، واشكروها بالاعتراف بها وطاعة موليها! (هل من خلق غير الله) قرئ: (غير) بالرفع والجر (1) على الوصف لفظا ومحلا، و (يرزقكم) يجوز أن يكون في محل جر بأن يكون صفة ل (خلق)، وأن لا يكون له محل بأن يكون محل (من خلق) رفعا بإضمار " يرزقكم "، ويفسره هذا الظاهر، أو يكون كلاما مستأنفا بعد قوله: (هل من خلق غير الله)، وعلى هذا الوجه الثالث يكون فيه دلالة على أن الخالق لا يطلق على غير الله عز وجل، وأما على الوجهين المتقدمين من الوصف والتفسير فلا دليل فيه على اختصاص الاسم بالله عز وجل؛ لأنه تقيد بالرزق من السماء والأرض (2) وخرج من الإطلاق، والرزق من السماء بالمطر ومن الأرض بالنبات (لا إله إلا هو) جملة مفصولة لا محل لها (فأنى تؤفكون) فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى الشرك، وعن الحق إلى الباطل؟ وقيل:
كيف تصرفون عن هذه الدلالة التي أقيمت (3) لكم على التوحيد مع وضوحها؟