تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ١١٦
ثم عرف سبحانه أن ما يطلب به العزة عنده هو الإيمان والعمل الصالح بقوله:
(إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصلح يرفعه) والكلم: جمع كلمة، وكل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء جاز فيه التذكير والتأنيث، يقول: هذا كلم وهذه كلم، ومعنى الصعود هنا هو القبول، وكل ما يتقبله الله تعالى من الطاعات يوصف بالرفع والصعود، لأن الملائكة يكتبون أعمال بني آدم ويرفعونها إلى حيث يشاء الله تعالى، كما في قوله تعالى: ﴿كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين﴾ (1)، و (الكلم الطيب): تمجيده وتقديسه وتحميده، وأطيب الكلم: لا إله إلا الله (والعمل الصلح يرفعه) أي: يرفع الكلم الطيب إلى الله، فالهاء ضمير (الكلم)، وقيل:
معناه: والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب (2)، أي: لا ينفع العمل إلا إذا صدر عن التوحيد، وقيل: معناه: والعمل الصالح يرفعه الله لصاحبه (3). فعلى الوجهين الأخيرين يكون الهاء ضمير (العمل).
(والذين يمكرون) المكرات (السيئات) أو أصناف المكر السيئات، فهي صفة للمصدر أو لما في حكمه، وقيل: عنى بهن مكرات قريش حين اجتمعوا في دار الندوة وتداوروا الرأي في إحدى المكرات الثلاث: إما إثبات رسول الله، وإما قتله، وإما إخراجه، كما حكى الله عنهم في قوله: (وإذ يمكر بك الذين كفروا) الآية (4)، (5) (ومكر أولئك) الذين مكروا تلك المكرات (هو) خاصة (يبور) أي: يكسد ويفسد دون مكر الله بهم حين أخرجهم من مكة وقتلهم وأثبتهم في قليب بدر، فجمع الله عليهم مكراتهم.

(١) المطففين: ١٨.
(٢) قاله الحسن البصري في تفسيره: ج ٢ ص ٢٢٤.
(٣) قاله قتادة والسدي. راجع تفسير الماوردي: ج ٤ ص ٤٦٤.
(٤) الأنفال: ٣٠.
(5) قاله الزمخشري في الكشاف: ج 3 ص 603.
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»