الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٣
إن عذاب ربك لواقع. ماله من دافع. يوم تمور السماء مورا. وتسير الجبال سيرا. فويل يومئذ للمكذبين. الذين هم في خوض يلعبون. يوم يدعون إلى نار جهنم دعا. هذه النار التي كنتم بها تكذبون. أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون.
اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون.
إن المتقين في جنات ونعيم. فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب عذاب الجحيم. كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون. متكئين على سرر مصفوفة
____________________
يجعل يوم القيامة البحار كلها نارا تسجر بها نار جهنم " وعن علي رضي الله عنه أنه سأل يهوديا أين موضع النار في كتابكم؟ قال: ما أراه إلا صادقا لقوله تعالى - والبحر المسجور - (لواقع) لنازل. قال جبير بن مطعم " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلمه في الأسارى، فألفيته في صلاة الفجر يقرأ سورة الطور، فلما بلغ - إن عذاب ربك لواقع - أسلمت خوفا من أن ينزل العذاب " (تمور السماء) تضطرب وتجئ وتذهب. وقيل المور تحرك في تموج وهو الشئ يتردد في عرض كالداغصة في الركبة: غلب الحوض في الاندفاع في الباطل والكذب، ومنه قوله تعالى - وكنا نخوض مع الخائضين - وخضتم كالذي خاضوا - الدع: الدفع العنيف، وذلك أن خزنة النار يغلون أيديهم إلى أعناقهم ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ويدفعونهم إلى النار دفعا على وجوههم وزخا في أقفيتهم. وقرأ زيد بن علي: يدعون من الدعاء: أي يقال لهم هلموا إلى النار وادخلوا النار (دعا) مدعوعين يقال لهم هذه النار (أفسحر هذا) يعنى كنتم تقولون للوحى هذا سحر أفسحر هذا، يريد أهذا المصداق أيضا سحر، ودخلت الفاء لهذا المعنى (أم أنتم لا تبصرون) كما كنتم لا تبصرون في الدنيا: يعنى أم أنتم عمى عن المخبر عنه كما كنتم عميا عن الخبر، وهذا تقريع وتهكم (سواء) خبر محذوف: أي سواء عليكم الأمران الصبر وعدمه.
فإن قلت: لم علل استواء الصبر وعدمه بقوله (إنما تجزون ما كنتم تعملون)؟ قلت: لأن الصبر إنما يكون له مزية على الجزع لنفعه في العاقبة بأن يجازى عليه الصابر جزاء الخير، فأما الصبر على العذاب الذي هو الجزاء ولا عاقبة له ولا منفعة فلا مزية له على الجزع (في جنات ونعيم) في أية جنات وأي نعيم بمعنى الكمال في الصفة. أو في جنات ونعيم مخصوصة بالمتقين خلقت لهم خاصة. وقرئ فاكهين وفكهين وفاكهون من نصبه حالا جعل الظرف مستقرا ومن رفعه خبرا جعل الظرف لغوا: أي متلذذين (بما آتاهم ربهم). فإن قلت: علام عطف قوله (ووقاهم ربهم). قلت: على قوله في جنات أو على آتاهم ربهم على أن تجعل ما مصدرية، والمعنى: فاكهين بإيتائهم ربهم ووقايتهم عذاب الجحيم، ويجوز أن تكون الواو للحال وقد بعدها مضمرة. يقال لهم: (كلوا واشربوا) أكلا وشربا (هنيئا) أو طعاما وشرابا هنيئا وهو الذي لا تنغيص فيه، ويجوز أن يكون مثله في قوله:
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»