الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٥١
ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فأزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما.
____________________
السمة، وذلك رياء ونفاق يستعاذ بالله منه ونحن فيما حدث في جبهة السجاد الذي لا يسجد إلا خالصا لوجه الله تعالى. وعن بعض المتقدمين: كنا نصلى فلا يرى بين أعيننا شئ، ونرى أحدنا الآن يصلى فيرى بين عينيه ركبة البعير، فما ندري أثقلت الأرؤس أم خشنت الأرض؟ وإنما أراد بذلك من تعمد ذلك للنفاق. وقيل هو صفرة الوجه من خشية الله. وعن الضحاك: ليس بالندب في الوجوه ولكنه صفرة. وعن سعيد بن المسيب: ندى الطهور وتراب الأرض. وعن عطاء رحمه الله: استنارت وجوههم من طول ما صلوا بالليل كقوله: " من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالثمار " (ذلك) الوصف (مثلهم) أي وصفهم العجيب الشأن في الكتابين جميعا، ثم ابتدأ فقال (كزرع) يريدهم كزرع، وقيل تم الكلام عند قوله - ذلك مثلهم في التوراة - ثم ابتدئ - ومثلهم في الإنجيل - كزرع، ويجوز أن يكون ذلك إشارة مبهمة أوضحت بقوله - كزرع أخرج شطأه - كقوله تعالى وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين -. وقرئ الإنجيل بفتح الهمزة (شطأه) فراخه، يقال أشطأ الزرع: إذا فرخ، وقرئ شطأه بفتح الطاء، وشطاه بتخفيف الهمزة، وشطاءه بالمد، وشطه بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى ما قبلها، وشطوه بقلبها واوا (فآزره) من المؤازرة وهى المعاونة. وعن الأخفش أنه أفعل.
وقرئ فأزره بالتخفيف والتشديد أي فشد أزره وقواه، ومن جعل آزر أفعل فهو في معنى القراءتين (فاستغلظ) فصار من الدقة إلى الغلظ (فاستوى على سوقه فاستقام على قصبه جمع ساق، وقيل مكتوب في الإنجيل " سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " وعن عكرمة: أخرج شطأه بأبي بكر فآزره بعمر فاستغلظ بعثمان فاستوى على سوقه بعلى. وهذا مثل ضربه الله لبدء أمر الإسلام وترقيه في الزيادة إلى أن قوى واستحكم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام وحده ثم قواه الله بمن آمن معه كما يقوى الطاقة الأولى من الزرع ما يحتف بها مما يتولد منها حتى يعجب الزراع. فإن قلت: قوله (ليغيظ بهم الكفار) تعليل لماذا؟ قلت: لما دل عليه تشبيههم بالزرع من نمائهم وترقيهم في الزيادة والقوة، ويجوز أن يعلل به (وعد الله الذين آمنوا) لأن الكفار إذا سمعوا بما أعد لهم في الآخرة مع ما يعزهم به في الدنيا غاظهم ذلك، ومعنى (منهم) البيان كقوله تعالى - فاجتنبوا الرجس من الأوثان - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الفتح فكأنما كان ممن شهد مع محمد فتح مكة ".
(٥٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 546 547 548 549 550 551 552 553 554 555 556 ... » »»