____________________
هذه الآية. فتأمل كيف ابتدئ بإيجاب أن تكون الأمور التي تنتمي إلى الله ورسوله متقدمة على الأمور كلها من غير حصر ولا تقييد، ثم أردف ذلك النهى عما هو من جنس التقديم من رفع الصوت والجهر كأن الأول بساط للثاني ووطاء لذكره، ثم ذكر ما هو ثناء على الذين تحاموا ذلك فغضوا أصواتهم دلالة على عظيم موقعه عند الله، ثم جئ على عقب ذلك بما هو أطم وهجنته أتم من الصياح برسول الله صلى الله عليه وسلم في حال خلوته ببعض حرماته من وراء الجدر كما يصاح بأهون الناس قدرا لينبه على فظاعة ما أجروا إليه وجسروا عليه. لأن من رفع الله قدره عن أن يجهر له بالقول حتى خاطبه جلة المهاجرين والأنصار بأخي السرار كان صنيع هؤلاء من المنكر الذي بلغ من التفاحش مبلغا، ومن هذا وأمثاله يقتطف ثمر الألباب وتقتبس محاسن الآداب كما يحكى عن أبي عبيدة ومكانه من العلم والزهد وثقة الرواية ما لا يخفى أنه قال: ما دققت بابا على عالم قط حتى يخرج في وقت خروجه (أنهم صبروا) في موضع الرفع على الفاعلية لأن المعنى: ولو ثبت صبرهم والصبر حبس النفس عن أن تنازع إلى هواها، قال الله تعالى - واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم - وقولهم صبر عن كذا محذوف منه المفعول وهو النفس، وهو حبس فيه شدة ومشقة على المحبوس فلهذا قيل للحبس على اليمين أو القتل صبر، وفى كلام بعضهم: الصبر مر لا يتجرعه إلا حر. فإن قلت: هل من فرق بين (حتى تخرج) وإلى أن تخرج. قلت:
إن حتى مختصة بالغاية المضروبة، تقول أكلت السمكة حتى رأسها ولو قلت حتى نصفها أو صدرها لم يجز، وإلى عامة في كل غاية فقد أفادت حتى بوضعها أن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم غاية قد ضربت لصبرهم فما كان لهم أن يقطعوا أمرا دون الانتهاء إليه. فإن قلت: فأي فائدة في قوله (إليهم)؟ قلت: فيه أنه لو خرج ولم يكن خروجه إليهم ولأجلهم للزمهم أن يصبروا إلى أن يعلموا أن خروجه إليهم (لكان خيرا لهم) في كان إما ضمير فاعل الفعل المضمر بعد لو وإما ضمير مصدر صبروا كقولهم: من كذب كان شرا له (والله غفور رحيم) بليغ الغفران والرحمة واسعهما فلن يضيق غفرانه ورحمته عن هؤلاء إن تابوا وأنابوا. بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة أخا عثمان لأمه، وهو الذي ولاه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص فصلى بالناس وهو سكران صلاة الفجر أربعا ثم قال: هل أزيدكم؟ فعزله عثمان عنهم مصدقا إلى بنى المصطلق، وكانت بينه وبينهم إحنة، فلما شارف ديارهم ركبوا مستقبلين له فحسبهم مقاتليه، فرجع وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قد ارتدوا ومنعوا الزكاة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أن يغزوهم، فبلغ القوم فوردوا وقالوا:
نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فاتهمهم فقال: لتنتهن أو لأبعثن إليكم رجلا هو عندي كنفسي يقاتل مقاتلتكم ويسبى ذراريكم، ثم ضرب بيده على كتف علي رضي الله عنه. وقيل بعث إليهم خالد بن الوليد فوجدهم منادين بالصلاة متهجدين فسلموا إليه الصدقات فرجع. وفى تنكير الفاسق والنبأ شياع في الفساق والأنباء كأنه
إن حتى مختصة بالغاية المضروبة، تقول أكلت السمكة حتى رأسها ولو قلت حتى نصفها أو صدرها لم يجز، وإلى عامة في كل غاية فقد أفادت حتى بوضعها أن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم غاية قد ضربت لصبرهم فما كان لهم أن يقطعوا أمرا دون الانتهاء إليه. فإن قلت: فأي فائدة في قوله (إليهم)؟ قلت: فيه أنه لو خرج ولم يكن خروجه إليهم ولأجلهم للزمهم أن يصبروا إلى أن يعلموا أن خروجه إليهم (لكان خيرا لهم) في كان إما ضمير فاعل الفعل المضمر بعد لو وإما ضمير مصدر صبروا كقولهم: من كذب كان شرا له (والله غفور رحيم) بليغ الغفران والرحمة واسعهما فلن يضيق غفرانه ورحمته عن هؤلاء إن تابوا وأنابوا. بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة أخا عثمان لأمه، وهو الذي ولاه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص فصلى بالناس وهو سكران صلاة الفجر أربعا ثم قال: هل أزيدكم؟ فعزله عثمان عنهم مصدقا إلى بنى المصطلق، وكانت بينه وبينهم إحنة، فلما شارف ديارهم ركبوا مستقبلين له فحسبهم مقاتليه، فرجع وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قد ارتدوا ومنعوا الزكاة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أن يغزوهم، فبلغ القوم فوردوا وقالوا:
نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فاتهمهم فقال: لتنتهن أو لأبعثن إليكم رجلا هو عندي كنفسي يقاتل مقاتلتكم ويسبى ذراريكم، ثم ضرب بيده على كتف علي رضي الله عنه. وقيل بعث إليهم خالد بن الوليد فوجدهم منادين بالصلاة متهجدين فسلموا إليه الصدقات فرجع. وفى تنكير الفاسق والنبأ شياع في الفساق والأنباء كأنه