الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٦٨
آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين
____________________
إن لم يدخل بها، وسوق المهر إليها عاجلا أفضل من أن يسميه ويؤجله، وكان التعجيل ديدن السلف وسنتهم وما لا يعرف بينهم غيره، وكذلك الجارية إذا كانت سبية مالكها وخطبة سيفه ورمحه ومما غنمه الله من دار الحرب، أحل وأطيب مما يشترى من شق الجلب. والسبي منهم على ضربين: سبي طيبة، وسبي خبثة، فسبي الطيبة ما سبي من أهل الحرب، وأما من كان له عهد فالمسبى منهم سبي خبثة، ويدل عليه قوله تعالى (مما أفاء الله عليك) لان فئ الله لا يطلق إلا على الطيب دون الخبيث كما أن رزق الله يجب إطلاقه على الحلال دون الحرام، وكذلك اللاتي هاجرن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرائبه غير المحارم أفضل من غير المهاجرات معه. وعن أم هانئ بنت أبي طالب: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني، ثم أنزل الله هذه الآية فلم أحل له لأني لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء. وأحللنا لك من وقع لها أن تهب لك نفسها ولا تطلب مهرا من النساء المؤمنات إن اتفق ذلك ولذلك نكرها. واختلف في اتفاق ذلك، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: لم يكن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد منهن بالهبة. وقيل الموهوبات أربع: ميمونة بنت الحرث، وزينب بنت خزيمة أم المساكين الأنصارية، وأم شريك بنت جابر، وخولة بنت حكيم رضي الله عنهن. قرئ (إن وهبت) على الشرط. وقرأ الحسن رضي الله عنه أن بالفتح على التعليل بتقدير حذف اللام، ويجوز أن يكون مصدرا محذوفا معه الزمان كقولك: اجلس ما دام زيد جالسا، بمعنى وقت دوامه جالسا ووقت هبتها نفسها. وقرأ ابن مسعود بغير إن.
فإن قلت: ما معنى الشرط الثاني مع الأول؟ قلت: هو تقييد له شرط في الاحلال هبتها نفسها وفي الهبة إرادة استنكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قال: أحللناها لك إن وهبت لك نفسها وأنت تريد أن تستنكحها لان إرادته هي قبول الهبة وما به تتم. فإن قلت: لم عدل عن الخطاب إلى الغيبة في قوله تعالى (نفسها للنبي إن أراد النبي) ثم رجع إلى الخطاب؟ قلت: للإيذان بأنه مما خص به وأوثر، ومجيئه على لفظ النبي للدلالة على أن الاختصاص تكرمة له لأجل النبوة وتكريره تفخيم له وتقرير لاستحقاقه الكرامة لنبوته. واستنكاحها طلب نكاحها والرغبة فيه وقد استشهد به أبو حنيفة على جواز عقد النكاح بلفظ الهبة، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته سواء في الاحكام إلا فيما خصه الدليل. وقال الشافعي: لا يصح. وقد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى الهبة ولفظها جميعا لان اللفظ تابع للمعنى والمدعى للاشتراك في اللفظ يحتاج إلى دليل. وقال أبو الحسن الكرخي: إن عقد النكاح بلفظ الإجارة جائز لقوله تعالى - اللاتي آتيت أجورهن - وقال أبو بكر الرازي: لا يصح لان الإجارة عقد مؤقت وعقد النكاح مؤبد فهما متنافيان (خالصة) مصدر مؤكد كوعد الله وصبغة الله: أي خلص لك إحلال ما أحللنا لك خالصة بمعنى خلوصا، والفاعل والفاعلة في المصادر غير عزيزين كالخارج والقاعد والعافية والكاذبة.
والدليل على أنها وردت في أثر الاحلالات الأربع مخصوصة برسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل التوكيد لها
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»